وقوله : وَما يَنْبَغِي للرّحْمَنِ أنْ يَتّخِذَ وَلَدا يقول : وما يصلح لله أن يتخذ ولدا ، لأنه ليس كالخلق الذين تغلبهم الشهوات ، وتضطرهم اللذّات إلى جماع الإناث ، ولا ولد يحدث إلا من أنثى ، والله يتعالى عن أن يكون كخلقه ، وذلك كقول ابن أحمر :
فِي رأسِ خَلْقاءَ مِنْ عَنْقاءَ مُشْرِفَةٍ *** ما ينبغي دُونَها سَهْلٌ وَلا جَبَلُ
جملة { وما ينبغي للرحمان أن يتّخذ ولداً } عطف على جملة : { وقالوا اتخذ الرحمان ولداً } .
ومعنى { ما ينبغي } ما يتأتّى ، أو ما يجوز . وأصل الانبغاء : أنّه مطاوع فعل بغى الذي بمعنى طلَب . ومعنى ، مطاوعِته : التأثّر بما طُلب منه ، أي استجابةُ الطلب .
نقل الطيبي عن الزمخشري أنه قال في « كتاب سيبويه » : « كل فعل فيه علاج يأتي مطاوعُه على الانفعال كصَرف وطلب وعلم ، وما ليس فيه علاج كعَدم وفقد لا يتأتى في مطاوعه الانفعال البتة » اهـ . فبان أن أصل معنى { ينبغي } يستجيب الطلب . ولما كان الطلب مختلف المعاني باختلاف المطلوب لزم أن يكون معنى { ينبغي } مختلفاً بحسب المقام فيستعمل بمعنى : يتأتى ، ويمكن ، ويستقيم ، ويليق ، وأكثر تلك الإطلاقات أصله من قبيل الكناية واشتهرت فقامت مقام التصريح .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وما يصلح لله أن يتخذ ولدا، لأنه ليس كالخلق الذين تغلبهم الشهوات، وتضطرهم اللذّات إلى جماع الإناث، ولا ولد يحدث إلا من أنثى، والله يتعالى عن أن يكون كخلقه...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
ثم نفى سبحانه عن نفسه الولد فقال {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} يعني انه لا يفعل ذلك ولا يحتاج إليه ولا يوصف به.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله {وما ينبغي} نفي على جهة التنزيه له عن ذلك.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وقوله: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} أي: لا يصلح له، ولا يليق به لجلاله وعظمته؛ لأنه لا كفء له من خلقه؛ لأن جميع الخلائق عبيد له؛
ولهذا قال: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وما ينبغي} أي ما يصح ولا يتصور {للرحمن أن يتخذ ولداً} لأنه غير محتاج إلى الولد بوجه، ومع ذلك فهو محال، لأن الولد لا يكون إلا مجانساً للوالد، ولا شيء من النعم بمجانس للمنعم المطلق الموجد لكل ما سواه، فمن دعا له ولداً قد جعله كبعض خلقه، وأخرجه عن استحقاق هذا الاسم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {وما ينبغي للرحمان أن يتّخذ ولداً} عطف على جملة: {وقالوا اتخذ الرحمان ولداً}.
ومعنى {ما ينبغي} ما يتأتّى، أو ما يجوز. وأصل الانبغاء: أنّه مطاوع فعل بغى الذي بمعنى طلَب. ومعنى، مطاوعِته: التأثّر بما طُلب منه، أي استجابةُ الطلب.
نقل الطيبي عن الزمخشري أنه قال في « كتاب سيبويه»: « كل فعل فيه علاج يأتي مطاوعُه على الانفعال كصَرف وطلب وعلم، وما ليس فيه علاج كعَدم وفقد لا يتأتى في مطاوعه الانفعال البتة» اهـ. فبان أن أصل معنى {ينبغي} يستجيب الطلب. ولما كان الطلب مختلف المعاني باختلاف المطلوب لزم أن يكون معنى {ينبغي} مختلفاً بحسب المقام فيستعمل بمعنى: يتأتى، ويمكن، ويستقيم، ويليق، وأكثر تلك الإطلاقات أصله من قبيل الكناية واشتهرت فقامت مقام التصريح.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إِنّ هؤلاء في الحقيقة لم يعرفوا الله قط، لأنّه: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً) فإنّ الإِنسان يطلب الولد لواحد من عدّة أشياء: إِمّا لأنّ عمره ينتهي فيحتاج لولد مثله يحمل صفاته ليبقى نسله وذكره. أو لأنّه يطلب الصديق والرفيق لأنّ قوته محدودة. أو لأنّه يستوحش من الوحدة، فيبحث عن مؤنس لوحدته. أو لأنّه يحتاج عند كبره وعجزه إلى مساعد ومعين شاب. لكن أيّاً من هذه المعاني لا ينطبق على الله سبحانه، ولا يصح، فلا قدرته محدودة، ولا حياته تنتهي، ولا يعتريه الضعف والوهن، ولا يحس بالوحدة والحاجة، إِضافة إلى أن امتلاك الولد دليل على الجسمية، ووجود الزوجة، وكل هذه المعاني بعيدة عن ذاته المقدسة...