وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون ، تعرض السورة أمرا عظيما آخر مؤجلا إلى هذا اليوم . . فهو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة . دعوة الله في الأرض طوال الأجيال . . فالرسل قد أقتت لهذا اليوم وضرب لها الموعد هناك ، لتقديم الحساب الختامي عن ذلك الأمر العظيم الذي يرجح السماوات والأرض والجبال . للفصل في جميع القضايا المعلقة في الحياة الأرضية ، والقضاء بحكم الله فيها ، وإعلان الكلمة الأخيرة التي تنتهي إليها الأجيال والقرون . .
وفي التعبير تهويل لهذا الأمر العظيم ، يوحي بضخامة حقيقته حتى لتتجاوز مدى الإدراك :
( وإذا الرسل أقتت . لأي يوم أجلت ? ليوم الفصل . وما أدراك ما يوم الفصل ? ) . .
وظاهر من أسلوب التعبير أنه يتحدث عن أمر هائل جليل . فإذا وصل هذا الإيقاع إلى الحس بروعته وهوله ، الذي يرجح هول النجوم المطموسة والسماء المشقوقة والجبال المنسوفة . ألقى بالإيقاع الرعيب ، والإنذار المخيف :
وقرأ جمهور القراء : «أقتت » بالهمزة وشد القاف ، وقرأ بتخفيف القاف مع الهمزة عيسى وخالد{[11544]} ، وقرأ أبو عمرو وحده «وقتت » بالواو ، وأبو الأشهب وعيسى وعمرو بن عبيد ، قال عيسى هي لغة سفلى مضر ، وقرأ أو جعفر بواو واحدة خفيفة القاف وهي قراءة ابن مسعود والحسن ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «ووقت » بواوين على وزن فوعلت ، والمعنى جعل لها وقت منتظر فجاء وحان . والواو في هذا كله الأصل والهمزة بدل .
وجُملة { وإذا الرسل أقتت } عطف على الجمل المتقدمة فهي تقييد لوقت حادث يحصل وهي مما جُعل مضمونها علامة على وقوع ما يوعدون به فيلزم أن يكون مضمونها مستقبل الحصول وفي نظم هذه الجملة غموض ودقة . فَأمّا { أُقتت } فأصله وُقتت بالواو في أوله ، يقال : وَقَّت وَقْتاً ، إذا عين وقتاً لعمل ما ، مشتقاً من الوقت وهو الزمان ، فلما بني للمجهول ضمّت الواو وَهو ضم لازم احترازاً من ضمة { ولا تَنْسَوُا الفضل بينكم } [ البقرة : 237 ] لأن ضمة الواو ضمة عارضة ، فجاز إبَدالها همزة لأن الضم على الواو ثقيل فعدل عن الواو إلى الهمزة . وقرأه الجمهور { أقتت } بهمزة وتشديد القاف . وقرأه أبو عمرو وحده بالواو وتشديد القاف ، وقرأه أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف .
وشأن { إذا } أن تكون لمستقبل الزمان فهذا التأقيت للرسل توقيت سيكون في المستقبل ، وهو علامَة على أن ما يُوعدون يحصل مع العلامات الأخرى .
ولا خلاف في أن { أُقِّتَت } مشتقّ من الوقت كما علمت آنفاً ، وأصل اشتقاق هذا الفعل المبني للمجهول أن يكون معناه : جُعِلت وقتاً ، وهو أصل إسناد الفعل إلى مرفوعه ، وقد يكون بمعنى : وُقِّتَ لها وقتٌ على طريقة الحذف والإِيصال .
وإذ كان { إذا } ظرفاً للمستقبل وكان تأجيل الرسل قد حصل قبل نزول هذه الآية ، تعيّن تأويل { أُقِّتَت } على معنى : حَانَ وقتها ، أي الوقت المعيَّن للرسل وهو الوقت الذي أخبرهم الله بأنْ يُنْذِرُوا أممهم بأنَّهُ يحلّ في المستقبل غيرِ المعين ، وذلك عليه قوله : { لأيّ يوم أُجّلت لِيوم الفصل } فإن التأجيل يفسر التوقيت .
وقد اختلفت أقوال المفسرين الأولين في مَحْمَل معنى هذه الآية فعن ابن عباس { أُقِّتت } : جُمعت أي ليوم القيامة قال تعالى : { يوم يجمع الله الرسل } [ المائدة : 109 ] ، وعن مجاهد والنخعي { أقتت } أُجِّلَت . قال أبو علي الفارسي : أي جعل يوم الدين والفصل لها وقتاً .
قال في « الكشاف » : « والوجه أن يكونَ معنى « وقتت » بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة » اه . وهذا صريح في أنه يقال : وُقت بمعنى أُحْضر في الوقت المعيَّن ، وسلمه شراح « الكشاف » وهو معنى مغفول عنه في بعض كتب اللغة أو مطوي بخفاء في بعضها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جُمعت.، ثم رجع إلى الساعة في التقديم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإذا الرسل أجلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة... وإنما هو فُعّلَتْ من الوقت.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... قيل: {أقتت} أي وعد لهم بيان حقيقة ما إليه دعوا من وقوع ما أوعدوا قومهم الذين تركوا إجابتهم من العذاب، ووعد لهم الوصول إلى من آمن بالله تعالى، وأجاب الرسل في ما دعوهم إليه من الثواب.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي أعلمت وقت الثواب ووقت العقاب، فالتوقيت: تقدير الوقت لوقوع الفعل، ولما كانت الرسل (عليهم السلام) قد قدر إرسالها لأوقات معلومة بحسب صلاح العباد فيها، كانت قد وقتت لتلك الأوقات بمعنى أعلمت وقت الثواب ووقت العقاب، أقتت بالاجتماع لوقتها يوم القيامة قال تعالى (يوم يجمع الله الرسل)
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر تغيير السماء والأرض، ذكر ما فعل ذلك لأجله فقال: {وإذا الرسل} أي الذي أنذروا الناس ذلك اليوم فكذبوهم {أقتت} أي بلّغها الذي لا قدير سواه بأيسر أمر ميقاتَها الذي كانت تنتظره، وهو وقت قطع الأسباب وإيقاع الرحمة والثواب للأحباب والنقمة والعقاب للأعداء بشهادتهم بعد جمعهم على الأمم بما كان منهم من الجواب، وحذف العامل في "إذا " تهويلاً له لتذهب النفس فيه كل مذهب، فيمكن أن يكون تقديره: وقع ما توعدون فرأيتم من هذا الوعيد ما لا يحتمل ولا يثبت لوصفه العقول.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا عظيما آخر مؤجلا إلى هذا اليوم.. فهو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة. دعوة الله في الأرض طوال الأجيال.. فالرسل قد أقتت لهذا اليوم وضرب لها الموعد هناك، لتقديم الحساب الختامي عن ذلك الأمر العظيم الذي يرجح السماوات والأرض والجبال. للفصل في جميع القضايا المعلقة في الحياة الأرضية، والقضاء بحكم الله فيها، وإعلان الكلمة الأخيرة التي تنتهي إليها الأجيال والقرون..
وفي التعبير تهويل لهذا الأمر العظيم، يوحي بضخامة حقيقته حتى لتتجاوز مدى الإدراك:
(وإذا الرسل أقتت. لأي يوم أجلت؟ ليوم الفصل. وما أدراك ما يوم الفصل؟)..
وظاهر من أسلوب التعبير أنه يتحدث عن أمر هائل جليل. فإذا وصل هذا الإيقاع إلى الحس بروعته وهوله، الذي يرجح هول النجوم المطموسة والسماء المشقوقة والجبال المنسوفة. ألقى بالإيقاع الرعيب، والإنذار المخيف.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجُملة {وإذا الرسل أقتت} عطف على الجمل المتقدمة فهي تقييد لوقت حادث يحصل، وهي مما جُعل مضمونها علامة على وقوع ما يوعدون به، فيلزم أن يكون مضمونها مستقبل الحصول وفي نظم هذه الجملة غموض ودقة.
فَأمّا {أُقتت} فأصله وُقتت بالواو في أوله، يقال: وَقَّت وَقْتاً، إذا عين وقتاً لعمل ما، مشتقاً من الوقت وهو الزمان، فلما بني للمجهول ضمّت الواو وَهو ضم لازم احترازاً من ضمة {ولا تَنْسَوُا الفضل بينكم} [البقرة: 237] لأن ضمة الواو ضمة عارضة، فجاز إبَدالها همزة لأن الضم على الواو ثقيل فعدل عن الواو إلى الهمزة.
وشأن {إذا} أن تكون لمستقبل الزمان فهذا التأقيت للرسل توقيت سيكون في المستقبل، وهو علامَة على أن ما يُوعدون يحصل مع العلامات الأخرى.
ولا خلاف في أن {أُقِّتَت} مشتقّ من الوقت كما علمت آنفاً، وأصل اشتقاق هذا الفعل المبني للمجهول أن يكون معناه: جُعِلت وقتاً، وهو أصل إسناد الفعل إلى مرفوعه، وقد يكون بمعنى: وُقِّتَ لها وقتٌ على طريقة الحذف والإِيصال.
وإذ كان {إذا} ظرفاً للمستقبل وكان تأجيل الرسل قد حصل قبل نزول هذه الآية، تعيّن تأويل {أُقِّتَت} على معنى: حَانَ وقتها، أي الوقت المعيَّن للرسل وهو الوقت الذي أخبرهم الله بأنْ يُنْذِرُوا أممهم بأنَّهُ يحلّ في المستقبل غيرِ المعين، وذلك عليه قوله: {لأيّ يوم أُجّلت لِيوم الفصل} فإن التأجيل يفسر التوقيت.
وقد اختلفت أقوال المفسرين الأولين في مَحْمَل معنى هذه الآية فعن ابن عباس {أُقِّتت}: جُمعت أي ليوم القيامة قال تعالى: {يوم يجمع الله الرسل} [المائدة: 109]، وعن مجاهد والنخعي {أقتت} أُجِّلَت. قال أبو علي الفارسي: أي جعل يوم الدين والفصل لها وقتاً.
قال في « الكشاف»: « والوجه أن يكونَ معنى « وقتت» بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة» اه. وهذا صريح في أنه يقال: وُقت بمعنى أُحْضر في الوقت المعيَّن.