وهذه قصة شعيب - ومكانها التاريخي قبل قصة موسى - تجيء هنا في مساق العبرة كبقية القصص في هذه السورة . وأصحاب الأيكة هم - غالبا - أهل مدين . والأيكة الشجر الكثيف الملتف . ويبدو أن مدين كانت تجاورها هذه الغيضة الوريفة من الأشجار . وموقع مدين بين الحجاز وفلسطين حول خليج العقبة .
وقد بدأهم شعيب بما بدأ به كل رسول قومه من أصل العقيدة والتعفف عن الأجر ،
هؤلاء - أعني أصحاب الأيكة - هم أهل مدين على الصحيح . وكان نبي الله شعيب من أنفسهم ، وإنما لم يقل هنا أخوهم شعيب ؛ لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة ، وهي شجرة . وقيل : شجر ملتف كالغَيضة ، كانوا يعبدونها ؛ فلهذا لما قال : كذب أصحاب الأيكة المرسلين ، لم يقل : " إذ قال لهم أخوهم شعيب " ، وإنما قال : { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ } ، فقطع نسبة الأخوة بينهم ؛ للمعنى الذي نسبوا إليه ، وإن كان أخاهم نسبا . ومن الناس مَنْ لم يتفطن لهذه النكتة ، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين ، فزعم أن شعيبًا عليه السلام ، بعثه الله إلى أمتين ، ومنهم مَنْ قال : ثلاث أمم .
وقد روى إسحاق بن بشر الكاهلي - وهو ضعيف - حدثني ابن السدي ، عن أبيه - وزكريا بن عمر{[1]} ، عن خَصِيف ، عن عِكْرِمة قالا ما بعث الله نبيًا مرتين إلا شعيبًا ، مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ، ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظُّلَّةِ .
وروى أبو القاسم البغوي ، عن هُدْبَة ، عن هَمَّام ، عن قتادة في قوله تعالى : { وَأَصْحَابَ الرَّسِّ } . [ ق : 12 ] قوم شعيب ، وقوله : { وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ } . [ ق : 14 ] قوم شعيب .
قال إسحاق بن بشر : وقال غير جُوَيْبر : أصحاب الأيكة ومدين هما واحد . والله أعلم .
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " شعيب " ، من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه ، عن معاوية بن هشام ، عن هشام بن سعد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان ، بعث{[2]} الله إليهما شعيبًا النبي ، عليه السلام " {[3]} .
وهذا غريب ، وفي رفعه نظر ، والأشبه أن يكون موقوفا . والصحيح أنهم أمة واحدة ، وصفوا في كل مقام بشيء ؛ ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان ، كما في قصة مدين سواء بسواء{[4]} ، فدل ذلك على أنهم أمة واحدة{[5]} .
وكانت مدن القوم سبعة فيما روي ولم يكن شعيب منهم ، فلذلك لم يذكر هنا بأنه أخ لهم وإنما كان من بني مدين ولذلك ذكر بأخوتهم ، وجاءت الألفاظ في دعاء كل واحد من هؤلاء الأنبياء واحدة بعينها إذ كان الإيمان المدعو إليه معنى واحداً بعينه .
قال النقاش في مصحف ابن مسعود وأبي وحفصة «إذ قال لهم أخوهم شعيب » ، قالوا ولا وجه لمراعاة النسب وإنما هو أخوهم من حيث هو رسولهم وآدمي مثلهم .
وفي قولهم عليهم السلام { ألا تتقون } عرض رقيق وتلطف كما قال تعالى : { فقل هل لك إلى أن تزكى }{[8966]} [ النازعات : 18 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.