أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن غالب بن تمام الضبي ، حدثنا حرمي بن حفص القسملي ، حدثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدي ، حدثنا عبد الكريم بن عمير ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه أنه قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال : إضاعة الوقت " . قال ابن عباس : هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس ، ويصلونها في العلانية إذا حضروا ، لقوله تعالى :{ الذين هم يراؤون } ، وقال في وصف المنافقين :{ وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس }( النساء- 142 ) . وقال قتادة : ساه عنها ، لا يبالي صلى أم لم يصل . وقيل : لا يرجون لها ثواباً إن صلوا ، ولا يخافون عقاباً إن تركوا . وقال مجاهد : غافلون عنها يتهاونون بها . وقال الحسن : هو الذي إن صلاها صلاها رياءً ، وإن فاتته لم يندم . وقال أبو العالية : لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمون ركوعها وسجودها .
وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه{[30565]} البغدادي ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن يونس ، عن الحسن ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في جهنم لواديا{[30566]} تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة ، أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد : لحامل كتاب الله ، وللمصدق في غير ذات الله ، وللحاج إلى بيت الله ، وللخارج في سبيل الله " . {[30567]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو نُعَيم ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة قال : كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء ، فقال رجل يكنى بأبي يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سَمَّع الناس بعمله ، سَمَّع الله به سامعَ خلقه ، وحَقَّره وصَغَّره " . {[30568]}
ورواه أيضا عن غُنْدَر ويحيى القطان ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن رجل ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . {[30569]}
ومما يتعلق بقوله تعالى : { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس ، فأعجبه ذلك ، أن هذا لا يعد رياء ، والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا مخلد بن يزيد ، حدثنا سعيد بن بشير ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : كنت أصلي ، فدخل علي رجل ، فأعجبني ذلك ، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " كتب لك أجران : أجر السر ، وأجر العلانية " . {[30570]}
قال أبو علي هارون بن معروف : بلغني أن ابن المبارك قال : نعم الحديثُ للمرائين .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وسعيد بن بشير متوسط ، وروايته عن الأعمش عزيزة ، وقد رواه غيره عنه .
قال أبو يعلى أيضا : حدثنا محمد بن المثنى بن موسى ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو سِنان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رجل : يا رسول الله ، الرجل يعمل العمل يَسُرُّه ، فإذا اطُّلعَ عليه أعجبه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " له أجران : أجر السر ، وأجر العلانية " . {[30571]}
وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى ، وابن ماجة عن بُنْدَار ، كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني{[30572]} ، واسمه : ضرار بن مرة . ثم قال الترمذي : غريب ، وقد رواه الأعمش وغيره . عن حبيب عن [ النبي صلى الله عليه وسلم ]{[30573]} مرسلا .
وقد قال أبو جعفر بن جرير : حدثني أبو كُرَيْب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن شيبان النحوي ، عن جابر الجعفي ، حدثني رجل ، عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية : { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } قال : " الله أكبر ، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا ، هو الذي إن صلى لم يَرْجُ خير صلاته ، وإن تركها لم يخف ربه " . {[30574]}
فيه جابر الجعفي ، وهو ضعيف ، وشيخه مبهم لم يُسَم ، والله أعلم .
وقال ابن جرير أيضا : حدثني زكريا بن أبان المصري ، حدثنا عمرو بن طارق ، حدثنا عِكْرمِة بن إبراهيم ، حدثني عبد الملك بن عمير{[30575]} ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن : { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } قال : " هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها " . {[30576]}
وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ، أو صلاتها بعد وقتها شرعا ، أو تأخيرها عن أول الوقت [ سهوا حتى ضاع ]{[30577]} الوقت .
وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فَرُّوخ ، عن عكرمة بن إبراهيم ، به . ثم رواه عن أبي الربيع ، عن جابر ، عن عاصم ، عن مصعب ، عن أبيه موقوفًا{[30578]} وهذا أصح إسنادًا ، وقد ضعف البيهقي{[30579]} رفعه ، وصحح وقفه ، وكذلك الحاكم .
وقوله تعالى : { الذين هم يراؤون } بيان أن صلاة هؤلاء ليست لله تعالى بنية إيمان ، وإنما هي رياء للبشر ، فلا قبول لها ، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو الأشهب : «يرؤن » مهموزة مقصورة مشددة الهمزة{[11999]} ، وروي عن ابن أبي إسحاق : «يرؤون » بغير شد في الهمزة .