الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ} (6)

الرابعة- قوله تعالى : { الذين هم يراؤون } أي يري الناس أنه يصلي طاعة وهو يصلي تقية ، كالفاسق ، يري أنه يصلي عبادة وهو يصلي ليقال : إنه يصلي . وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة ، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس . وأولها تحسين السمت{[16473]} ؛ وهو من أجزاء النبوة ، ويريد بذلك الجاه والثناء . وثانيها : الرياء بالثياب القصار والخشنة ؛ ليأخذ بذلك هيئة الزهد في الدنيا . وثالثها : الرياء بالقول ، بإظهار التسخط على أهل الدنيا ، وإظهار الوعظ والتأسف على ما يفوت من الخير والطاعة . ورابعها : الرياء بإظهار الصلاة والصدقة ، أو بتحسين الصلاة لأجل رؤية الناس ، وذلك يطول ، وهذا دليله ، قاله ابن العربي .

قلت : قد تقدم في سورة " النساء " و " هود " وآخر " الكهف " {[16474]} القول في الرياء وأحكامه وحقيقته بما فيه كفاية . والحمد لله .

الخامسة : ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة ، فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها ، لقوله عليه السلام : " ولا غمة{[16475]} في فرائض الله " ؛ لأنها أعلام الإسلام ، وشعائر الدين ، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت ، فوجب إماطة التهمة بالإظهار ، وإن كان تطوعا فحقه أن يخفي ؛ لأنه لا يلام تركه ولا تهمة فيه ، فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا . وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين ، فتثني عليه بالصلاح . وعن بعضهم أنه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطالها ، فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك . وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة . وقد مضى هذا المعنى في سورة " البقرة " {[16476]}عند قوله تعالى : { إن تبدوا الصدقات } [ البقرة : 271 ] ، وفي غير موضع . والحمد لله على ذلك .


[16473]:في اللسان: السمت: حسن القصد والمذهب في الدين والدنيا.
[16474]:راجع جـ 5 ص 181 وجـ 9 ص 13 وجـ 11 ص 70.
[16475]:أي لا تستر ولا تخفى فرائضه، وإنما تظهر وتعلن ويجهر بها.
[16476]:راجع جـ 3 ص 332.