الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ} (6)

فإن قلت : ما معنى المراآة ؟ قلت : هي مفاعلة من الإراءة ؛ لأنّ المرائي يري الناس عمله ، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به ، ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة ، فمن حقّ الفرائض الإعلان بها وتشهيرها ، لقوله عليه الصلاة السلام : " ولا غمة في فرائض الله " ؛ لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين ؛ ولأن تاركها يستحق الذمّ والمقت ، فوجب إماطة التهمة بالإظهار ؛ وإن كان تطوعاً ، فحقه أن يخفى : ؛ لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه ؛ فإن أظهره قاصداً للاقتداء به كان جميلاً ، وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين ، فيثنى عليه بالصلاح . وعن بعضهم : أنه رأى رجلاً في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها ، فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك ؛ وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة ؛ على أن اجتناب الرياء صعب إلاّ على المرتاضين بالإخلاص . ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود " .