فلما بين عبوديتهم وافتقارهم إليه -من جهة العبادة والتوحيد- بين افتقارهم ، من جهة الملك والتربية والتدبير فقال : { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } خالقهما{[567]} ورازقهما ، والمتصرف فيهما ، في حكمه الشرعي [ والقدري ]{[568]} في هذه الدار ، وفي حكمه الجزائي ، بدار القرار ، بدليل قوله : { وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } أي : مرجع الخلق ومآلهم ، ليجازيهم بأعمالهم .
ثم أخبر تعالى : أن له ملك السموات والأرض ، فهو الحاكم المتصرف الذي لا معقب لحكمه ، وهو الإله المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له . { وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } أي : يوم القيامة ، فيحكم فيه بما يشاء ؛ { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } [ النجم : 31 ] ، فهو الخالق المالك ، ألا له الحكم في الدنيا والأخرى ، وله الحمد في الأولى والآخرة ؟ ! .
وقوله : وَلِلّهِ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول جلّ ثناؤه : ولله سلطان السموات والأرض وملكها ، دون كلّ من هو دونه من سلطان وملِك ، فإياه فارهبوا أيها الناس ، وإليه فارغبوا لا إلى غيره ، فإن بيده خزائن السموات والأرض ، لا يخشى بعطاياكم منها فقرا . وَإلى اللّهِ المَصِيرُ : يقول : وأنتم إليه بعد وفاتكم ، مصيركم ومَعادكم ، فيوفيكم أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا ، فأحسنوا عبادته ، واجتهدوا في طاعته ، وقدّموا لأنفسكم الصالحاتِ من الأعمال . )
تحقيق لما دل عليه الكلام السابق من إعطائه الهدى للعجماوات في شؤونه وحرمانه إياه فريقاً من العقلاء فلو كان ذلك جارياً على حسب الاستحقاق لكان هؤلاء أهدى من الطير في شأنهم .
وتقديم المعمولين للاختصاص ، أي أن التصرف في العوالم لله لا لغيره .
وفي هذا انتقال إلى دلالة أحوال الموجودات على تفرد الله تعالى بالخلق ولذلك أعقب بقوله :
{ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار } .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَلِلّهِ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ" يقول جلّ ثناؤه: ولله سلطان السموات والأرض وملكها، دون كلّ من هو دونه من سلطان وملِك، فإياه فارهبوا أيها الناس، وإليه فارغبوا لا إلى غيره، فإن بيده خزائن السموات والأرض، لا يخشى بعطاياكم منها فقرا. "وَإلى اللّهِ المَصِيرُ": يقول: وأنتم إليه بعد وفاتكم، مصيركم ومَعادكم، فيوفيكم أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا، فأحسنوا عبادته، واجتهدوا في طاعته، وقدّموا لأنفسكم الصالحاتِ من الأعمال.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي تقديرها وتدبير أُمورها وتصريف أحوالها كما يشاء {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"ولله ملك السموات والأرض"، والملك المقدور الواسع لمن يملك السياسة والتدبير، فملك السموات والأرض لا يصح إلا لله وحده لا شريك له، لأنه لا يقدر على خلق الأجسام غيره، وليس مما يصح أن يملكه العبد، لأنه لا يمكنه أن يصرفه أتم التصريف، فالملك التام، لا يصح الا لله تعالى.
وقوله "وإلى الله المصير "أي إليه المرجع يوم القيامة، إلى ثوابه أو عقابه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
المُلْكُ: مبالغةٌ من المِلْك، والملك: القدرة على الإِيجاد؛ فالمقدورات -قَبْلَ وجودها- للخالق مملوكة، كذلك في أحوال حدوثِها بعد عَدَمِها عائدةٌ إلى ما كانت عليه، فَمُلْكهُ لا يحدث ولا يزول ولا يَؤُولُ شيء منه إلى البطول.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{ولله ملك السموات والأرض} إخبار بأن جميع المخلوقات تحت ملكه يتصرف فيهم بما يشاء تصرف القاهر الغالب.
وإليه {المصير} أي إلى جزائه من ثواب وعقاب. وفي ذلك تذكير وتخويف.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
ثم أخبر تعالى: أن له ملك السموات والأرض، فهو الحاكم المتصرف الذي لا معقب لحكمه، وهو الإله المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له.
{وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أي: يوم القيامة، فيحكم فيه بما يشاء...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(ولله ملك السماوات والأرض، وإلى الله المصير).. فلا اتجاه إلا إليه، ولا ملجأ من دونه، ولا مفر من لقائه، ولا عاصم من عقابه، وإلى الله المصير.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الملك هو السلطان الكامل، والله تعالى له السلطان على السموات والأرض وحده؛ لأنه هو الذي خلقها، وما فيها ومن فيها، والنص الكريم يفيد الاختصاص بتقديم الجار والمجرور، أي له وحده السلطان الكامل في الأرض والسماء فلا سلطان لوجود سواه...
{وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}، أي المآل والنهاية. وتقديم الجار والمجرور أيضا يفيد القصر أي يصيرون إليه، لا إلى أحد سواه..