وقوله : { إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ } استثناء منقطع ، وهو من مثبت ، إلا أن يكون الضمير في قوله : { عَمَّا يَصِفُونَ } عائدا إلى جميع الناس ثم استثنى منهم المخلصين ، وهم المتبعون للحق المنزل على كل نبي ومرسل . وجعل ابن جرير هذا الاستثناء من قوله : { إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ . إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ } ، وفي هذا الذي قاله نظر .
اعتراض بين جملة { سبحان الله عمَّا يصفون } [ الصافات : 159 ] وجملة { فإنكم وما تعبدون } [ الصافات : 161 ] الآية ، والاستثناء منقطع ، قيل نشأ عن قولهم : { إنهم لمُحضرونَ } [ الصافات : 158 ] والمعنى لكن عباد الله المخلصين لا يُحضَرون ، وقيل نشأ عن قوله : { عمَّا يَصفونَ } [ الصافات : 159 ] أي لكن عباد الله المخلصين لا يَصفونه بذلك ، وقيل من ضمير { وجعلوا } [ الصافات : 158 ] أي لكن عباد الله المخلصين لا يجعلون ذلك . وهو من معنى القول الثاني ، فالمراد بالعباد المخلصين المؤمنون .
والوجه عندي : أن يكون استثناءً منقطعاً نشأ عن قوله : { سبحانَ الله عمَّا يصفونَ } [ الصافات : 159 ] فهو مرتبط به لأن « ما يصفون » أفاد أنهم يصفون الله بأن الملائكة بناته كما دل عليه قوله : { ألربك البنات } [ الصافات : 149 ] . والمعنى : لكن الملائكة عباد الله المخلصين ، فالمراد من { عباد الله المخلصين } الملائكة فهذه الآية في معنى قوله : { وقالوا اتخذ الرحمان ولداً سبحانه بل عباد مكرمون } [ الأنبياء : 26 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إلا عباد الله المخلصين}: الموحدين، فإنهم لا يحضرون النار.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله: {إلاّ عِبادَ اللّهِ المُخْلَصِينَ}: يقول: ولقد علمت الجِنّةُ أن الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله لمُحضرون العذاب، إلا عباد الله الذين أخلَصَهُمْ لرحمته، وخلقهم لجنته.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} استثناء منقطع من المحضرين: معناه ولكن المخلصين ناجون. وسبحان الله: اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه. ويجوز أن يقع الاستثناء من الواو في يصفون، أي: يصفه هؤلاء بذلك، ولكن المخلصون برآء من أن يصفوه به.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إلا عباد الله}: الذين يصلحون للإضافة إلى الاسم الأعظم من حيث إطلاقه على الذات الأعظم، ولذلك أظهر ولم يضمر، لأن الضمير يعود على عين الماضي، فربما أوهم تقييده بما ذكر في الأول فيفهم تقييد تشريفهم بالتسبيح.
{المخلصين} من جميع الخلائق أو من العرب، وهم من أسلم منهم بعد نزول هذه السورة فإنهم لا يصفونه إلا بما أذن لهم فيه ولأجل أن هذه السورة سورة المتجردين عن علائق العوائق عن السير إليه، كرر وصف الإخلاص فيها كثيراً...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الوجه عندي: أن يكون استثناءً منقطعاً نشأ عن قوله: {سبحانَ الله عمَّا يصفونَ} فهو مرتبط به؛ لأن « ما يصفون» أفاد أنهم يصفون الله بأن الملائكة بناته كما دل عليه قوله: {ألربك البنات}، والمعنى: لكن الملائكة عباد الله المخلصين، فالمراد من {عباد الله المخلصين} الملائكة فهذه الآية في معنى قوله: {وقالوا اتخذ الرحمان ولداً سبحانه بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26]...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
ترديد لآية صارت بمثابة لازمة في هذه السورة، حيث تكررت عقب فصولها مرارا، وفيها تنزيه واستثناء لعباد الله المخلصين من أن يكونوا كالكفار والمشركين وأن يصيروا إلى مصائرهم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
بهذا الشكل فإنّ من النادر أن نسمع أناساً عاديين يصفون الله سبحانه وتعالى وصفاً لائقاً، كما يصفه عباده المخلصون، العباد الخالصون من كلّ أشكال الشرك وهوى النفس والجهل والضلال، والذين لا يصفون الباري عز وجل إلاّ بما سمح لهم به، فلمعرفة الله لا ينبغي اتّباع الخرافات الواردة عن أقوام الجاهلية التي يخجل الإنسان من ذكرها، بل يجب اتّباع العباد المخلصين الذين يتحدّثون بأحاديث تجعل روح الإنسان محلّقة في عنان السماء، وتذيبها في أنوار الوحدانية، وتطهّر القلب من كلّ شائبة شرك، وتمحو كلّ تجسيم وتشبيه لله من ذهن الإنسان...