تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{تنزيل الكتاب من الله}: قضى تنزيل الكتاب من الله.
{العزيز} في ملكه {العليم} بخلقه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللّهِ العَزِيزِ العَلِيمِ" يقول الله تعالى ذكره: من الله "العزيز "في انتقامه من أعدائه، "العليم" يما يعملون من الأعمال وغيرها تنزيل هذا الكتاب.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
" العزيز ": المُعزِّ لأوليائه، "العليم "بما كان ويكون منهم، فلا يمنعه عِلمُه بما سَلَفَ منهم عن قضائه...
أما قوله {من الله} فاعلم أنه لما ذكر أن {حم * تنزيل الكتاب} وجب بيان أن المنزل من هو؟ فقال: {من الله} ثم بين أن الله تعالى موصوف بصفات الجلال وسمات العظمة ليصير ذلك حاملا على التشمير عن ساق الجد عند الاستماع وزجره عن التهاون والتواني فيه، فبين أن المنزل هو {الله العزيز العليم}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{تنزيل الكتاب} أي الجامع من الحدود والأحكام والمعارف والإكرام لكل ما يحتاج إليه بإنزاله بالتدريج على حسب المصالح والتقريب للأفهام الجامدة القاصرة، والتدريب للألباب السائرة في جو المعاني والطائرة.
{من الله} أي الجامع لجميع صفات الكمال.
ولما كان النظر هنا من بين جميع الصفات إلى العزة والعلم أكثر؛ لأجل أن المقام لإثبات الصدق وعداً ووعيداً قال: {العزيز العليم}.
تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :
ذكره العزة والعلم من صفات الله عز وجل، لغلبة القرآن على غيره، ولأنواع علومه ومن شأن عظيم العلم أن يكون حكيما، الا أنه ذكر بلفظ العلم تفننا...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
الله -سبحانه- يعرف نفسه لعباده بصفاته، ذات الأثر في حياتهم ووجودهم، ويلمس بها مشاعرهم وقلوبهم؛ فيثير رجاءهم وطمعهم؛ كما يثير خوفهم وخشيتهم ويشعرهم بأنهم في قبضته لا مهرب لهم من تصريفه، ومنها هذه الصفات:
(العزيز) القوي القادر الذي يغلب ولا يغلب، والذي يصرف الأمر لا يقدر عليه أحد ولا يعقب عليه أحد.
(العليم).. الذي يصرف الوجود عن علم وعن خبرة، فلا يخفى عليه شيء، ولا يند عن علمه شيء...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
القول فيه كالقول في فاتحة سورة الزمر. ويُزاد هنا أن المقصود بتوجيه هذا الخبر هم المشركون المنكرون أن القرآن منزل من عند الله. فتجريد الخبر عن المؤكد إخراج له على خلاف مقتضى الظاهر بجعل المنكِر كغير المنكر؛ لأنه يحف به من الأدلة ما إِنْ تَأَمَّلَه ارتدع عن إنكاره فما كان من حقه أن ينكر ذلك...
مادة نزل وردتْ في القرآن بصيغ عدة: أنزلنا، نزَّلنا، تنزيل، نزل. وكلها تعطي معنى العلو للذي نُزِّل، وصفة العلو تدل على أن المنزَّل ليس من صُنْع البشر، وتدل على عظمة المنزَّل ومنزلته، حتى إنْ كان من جهة الأرض لا من جهة السماء، كما قال تعالى في الحديد: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ..} [الحديد: 25].
ومعلوم أن الحديد يُستخرج من الأرض لا ينزل من السماء، فالمعنى: أنزلناه على أنه هبة العالي للأدنى، ولا بدَّ أن يكون الأعلى أعظم من الأدنى. ونقول ذلك حتى في الأحكام والقوانين حين نريد أنْ نشرع ونُقنِّن القوانين.
لا تتركوا قوانين الأعلى وتأخذوا بقوانين الأدنى، لأن المقنِّن الأعلى سبحانه غير المقنِّن من البشر، فمهما بلغ من العلم والحكمة فلن يخلو من هوى ولن يتنزَّه عن غرض، فإنْ كان من الأغنياء يُقنِّن للرأسمالية، وإنْ كان فقيراً قنَّن للشيوعية.
لذلك يُشترط فيمن يُقنِّن ألاَّ يكون له هوىً، وألاَّ يكون منتفعاً بما يقنن، وأنْ يكون محيطاً بالأمور كلها بحيث لا يستدرك عليه ولا ينسى جزئية من جزئيات الموضوع، وهذه الشروط كلها لا تتوفر إلا في الحق سبحانه، لذلك لا يجوز لنا أن نترك قانون الله وشرعه ونتحاكم إلى قانون البشر...
وكلمة (الكِتَابِ) أي: القرآن، سماه الله كتاباً لأنه مكتوب، وقرآناً لأنه مقروء، أو هو كتاب إيذاناً بأنْ يكتب، وهو قرآن إيذاناً بأنْ يُقرأ، والقراءة إما من السطور وإما من الصدور الحافظة، وسمَّاه وحياً لأنه أُوحِي به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ} [النجم: 4] إذن: لكل تسمية ملحظ.
ولما أرادوا جمع القرآن اشترطوا أن تتوافق فيه الصدور والسطور، فما كتبوا آية واحدة إلا إذا وجدوها مكتوبة في الرقاع وشهد شاهدان بصحتها، ورحم الله سيدنا الشيخ محمد عبد الله دراز الذي قرن بين هذه المسألة وقوله تعالى: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَىٰ..} [البقرة: 282].
ثم يقول سبحانه: {مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر: 2] فهذا الكتاب مُنزَّل من عند الله المتصف بصفات الكمال المطلق، وله سبحانه طلاقة قدرة وطلاقة حكمة وطلاقة رحمة وطلاقة رحمانية، وما دام الكتاب جاء ممَّنْ هذه صفاته فلا يمكن أنْ يستدرك عليه، وما دام لا يستدرك عليه فصدِّقوا الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلٰمَ دِيناً..} [المائدة: 3].
لذلك نعجب من الذين ينادون الآن بعصرنة الإسلام، ونقول لهم: بدل أن تُعصرنوا الإسلام دَيِّنوا العصر.
وصفة (العَزِيزِ) أي: الغالب الذي لا يُغلب، وما دام أن هذا الكتاب نزَّله عزيز لا يُغلب، فلا بدَّ لهذا الكتاب أنْ يعلو وأنْ يُنشر وأنْ يسمعه الناس لا يغلبه أحد، لأن مُنزله عزيز، ولأن الله تعالى ما كان ليبعث به رسولاً ويتركه أو يخذله، فمهما عاندوا ومهما تكبروا وجحدوا سيغلب هذا القرآن، ولن يُغلبَ أبداً في أيِّ مجال من المجالات.