{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ . . . } أى : فأصاب هؤلاء السابقين ، العقاب الذى يستحقونه بسبب سيئاتهم التى اكتسبوها واقترفوها فى دنياهم .
فالكلام على حذف مضاف . أى : فأصابهم جزاء سيئات كسبهم بأن أنزل الله - تعالى - بهم العقوبة التى يستحقونها بسبب إصرارهم على الكفر والمعاصى .
{ والذين ظَلَمُواْ مِنْ هؤلاء } أى : من هؤلاء المشركين المعاصرين لك - أيها الرسول الكريم - .
{ سَيُصِيبُهُمْ } - أيضا - سيئات ما كسبوا ، كما أصاب الذين من قبلهم .
{ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } أى : وما هم بفائتين أو هاربين من عذابنا .
{ فأصابهم سيئات ما كسبوا } جزاء سيئات أعمالهم أو جزاء أعمالهم ، وسماه سيئة لأنه في مقابلة أعمالهم السيئة رمزا إلى أن جميع أعمالهم كذلك ، { والذين ظلموا } بالعتو . { من هؤلاء } المشركين و{ من } للبيان أو للتبغيض . { سيصيبهم سيئات ما كسبوا } كما أصاب أولئك ، وقد أصابهم فإنهم قحطوا سبع سنين وقتل ببدر صناديدهم . { وما هم بمعجزين } بفائتين .
فاء { فأصابهم سيئات ما كسبوا } مفرِّعة على جملة { ما أغنى عنهم } ، أي تسبب على انتفاء إِغناء الكسب عنهم حلولُ العقاب بهم . وكان مقتضى الظاهر في ترتيب الجمل أن تكون جملة { فأصابهم سيئات ما كسبوا } مقدّمة على جملة { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } ، لأن الإِغناء إنما يترقب عند حلول الضير بهم فإذا تقرر عدم الإِغناء يذكر بعده حلول المصيبة ، فعُكس الترتيب على خلاف مقتضى الظاهر لقصد التعجيل بإبطال مقالة قائلهم { إنما أوتيتُه على علم } [ الزمر : 49 ] ، أي لو كان لعلمهم أثر في جلب النعمة لهم لكان له أثر في دفع الضر عنهم .
والإِشارة { بهؤلاء } إلى المشركين من أهل مكة وقد بيّنا غير مرة أننا اهتدينا إلى كشف عادة من عادات القرآن إذا ذكرت فيه هذه الإِشارة أن يَكون المراد بها المشركون من قريش . وإصابة السيئات مراد بها في الموضعين إصابة جزاء السيئات وهو عقاب الدنيا وعقاب الآخرة لأن جزاء السيئة سيئة مثلها .
والمعجِز : الغالب ، وتقدم عند قوله تعالى : { إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين } في سورة [ الأنعام : 134 ] ، أي ما هم بمعجزينا ، فحذف مفعول اسم الفاعل لدلالة القرينة عليه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فأصابهم سيئات ما كسبوا} يعني عقوبة ما كسبوا من الشرك.
{والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين} يعني وما هم بسابقي الله عز وجل بأعمالهم الخبيثة حتى يجزيهم بها.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فأَصَابَهُمْ سَيّئاتُ ما كَسَبُوا" يقول: فأصاب الذين قالوا هذه المقالة من الأمم الخالية، وبال سيئات ما كسبوا من الأعمال، فعوجلوا بالخزي في دار الدنيا، وذلك كقارون الذي قال حين وُعظ "إنّمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي "فَخَسَفَ اللّهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ "فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُون اللّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرينَ"، يقول الله جل ثناؤه: "وَالّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤلاَءِ" يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: والذين كفروا بالله يا محمد من قومك، وظلموا أنفسهم وقالوا هذه المقالة سيُصِيبُهُمْ أيضا وبال سيّئَاتُ مَا كَسَبُوا كما أصاب الذين من قبلهم بقيلهموها، "وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ" يقول: وما يفوتون ربهم ولا يسبقونه هربا في الأرض من عذابه إذا نزل بهم، ولكنه يصيبهم، "سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِد لِسُنةِ اللّهِ تَبْدِيلاً" ففعل ذلك بهم، فأحلّ بهم خزيه في عاجل الدنيا فقتلهم بالسيف يوم بدر.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{سيصيبهم سيئات ما كسبوا}: جاء بسين الاستقبال التي هي أقل تنفيساً في الزمان من سوف، وهو خبر غيب، أبرزه الوجود في يوم بدر وغيره، قتل رؤساءهم...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
المراد بالذين ظلموا من أصر على الظلم حتى تصيبهم قارعة...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
السيئات في هذا الموضع: العقوبات، لأنها تسوء الإنسان وتحزنه.
{وَالَّذِينَ ظَلَمُوا من هؤلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} فليسوا خيرا من أولئك، ولم يكتب لهم براءة في الزبر...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فاء {فأصابهم سيئات ما كسبوا} مفرِّعة على جملة {ما أغنى عنهم}، أي تسبب على انتفاء إِغناء الكسب عنهم حلولُ العقاب بهم. وكان مقتضى الظاهر في ترتيب الجمل أن تكون جملة {فأصابهم سيئات ما كسبوا} مقدّمة على جملة {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون}؛ لأن الإِغناء إنما يترقب عند حلول الضير بهم فإذا تقرر عدم الإِغناء يذكر بعده حلول المصيبة، فعُكس الترتيب على خلاف مقتضى الظاهر لقصد التعجيل بإبطال مقالة قائلهم {إنما أوتيتُه على علم}، أي لو كان لعلمهم أثر في جلب النعمة لهم لكان له أثر في دفع الضر عنهم.
والإِشارة {بهؤلاء} إلى المشركين من أهل مكة وقد بيّنا غير مرة أننا اهتدينا إلى كشف عادة من عادات القرآن إذا ذكرت فيه هذه الإِشارة أن يَكون المراد بها المشركون من قريش. وإصابة السيئات مراد بها في الموضعين إصابة جزاء السيئات وهو عقاب الدنيا وعقاب الآخرة لأن جزاء السيئة سيئة مثلها.