وهم إن استمروا على تكذيبهم فلا يحل بكم{[782]} ما حل بهم من العذاب الشديد والخزي ولهذا قال : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }
ثم عقب - سبحانه - على ذلك بما يؤكد عدالة الجزاء ، واحتمال كل نفس لما تعمله فقال : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } .
أي : من عمل عملا صالحا ، فثواب هذا العمل يعود إلى نفسه ، ومن عمل سيئا فعقاب هذا العمل يعود عليها - أيضا - .
{ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } يوم القيامة فترون ذلك رأى العين ، وتشاهدون أن كل إنسان سوف يجازى على حسب عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شراً فشر .
لما تقرر في التي قبل هذه أن الله يجزي قوماً بكسبهم ويعاقبهم بذنوبهم واجترامهم ، أكد ذلك بقوله تعالى : { من عمل صالحاً فلنفسه } .
وقوله : { فلنفسه } هي لام الحظ ، لأن الحظوظ والمحاب إنما يستعمل فيها اللام التي هي كلام الملك ، تقول الأمور لزيد متأتية ، وتستعمل في ضد ذلك على ، فتقول : الأمور على فلان مستصعية ، وتقول : لزيد مال وعليه دين ، وكذلك جاء العمل الصالح في هذه الآية باللام والإشارة ب «على » .
وقوله تعالى : { ثم إلى ربكم ترجعون } معناه إلى قضائه وحكمه .
قوله : { ثم إلى ربّكم ترجعون } أي بعد الأعمال في الدنيا تصيرون إلى حكم الله تعالى فيجازيكم على أعمالكم الصالحة والسيئة بما يناسب أعمالكم .
وأطلق على المصير إلى حكم الله أنه رجُوع إلى الله على طريقة التمثيل بحال من كان بعيداً عن سيده أو أميره فعمل ما شاء ثم رجع إلى سيده أو أميره فإنه يلاقي جزاء ما عمله ، وقد تقدمت نظائره .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء} العمل {فعليها}: إساءته على نفسه.
{ثم إلى ربكم ترجعون} في الآخرة، فيجزيكم بأعمالكم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: من عمل من عباد الله بطاعته فانتهى إلى أمره، وانزجر لنهيه، فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل، وطلب خلاصها من عذاب الله، أطاع ربه لا لغير ذلك، لأنه لا ينفع ذلك غيره، والله عن عمل كل عامل غنيّ، وَمَنْ أساءَ فَعَلَيْها يقول: ومن أساء عمله في الدنيا بمعصيته فيها ربه، وخلافه فيها أمره ونهيه، فعلى نفسه جنى، لأنه أوبقها بذلك، وأكسبها به سخطه، ولم يضرّ أحدا سوى نفسه. "ثُمّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ "يقول: ثم أنتم أيها الناس أجمعون إلى ربكم تصيرون من بعد مماتكم، فيجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، فمن ورد عليه منكم بعمل صالح، جوزي من الثواب صالحا، ومن ورد عليه منكم بعمل سيئ جوزي من الثواب سيئا.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
مَنْ عَمِلَ صَالحاً فله مَهْناه، ومن ارتكب سيئةً قاسى بلواه... ثم مرجعه إلى مولاه.
هو مثل ضربه الله للذين يغفرون.
{ومن أساء فعليها} مثل ضربه للكفار الذين كانوا يقدمون على إيذاء الرسول والمؤمنين وعلى ما لا يحل، فبين تعالى أن العمل الصالح يعود بالنفع العظيم على فاعله، والعمل الرديء يعود بالضرر على فاعله، وأنه تعالى أمر بهذا ونهى عن ذلك لحظ العبد لا لنفع يرجع إليه، وهذا ترغيب منه في العمل الصالح وزجر عن العمل الباطل.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما رغب سبحانه ورهب وتقرر أنه لا بد من الجزاء، زاد في الترغيب و- الترهيب بأن النفع والضر لا يعدوهم فقال شارحاً للجزاء: {من عمل صالحاً} قل أو جل.
{فلنفسه} أي خاصة عمله يرى جزاءه في الدنيا أو في الآخرة.
{ومن أساء} أي كذلك إساءة قلت أو جلت.
{فعليها} خاصة إساءته كذلك، وذلك في غاية الظهور؛ لأنه لا يسوغ في عقل عاقل أن ملكاً يدع عبيده من غير جزاء ولا سيما إذا كان حكيماً، وإن كانت نقائص النفوس قد غطت على كثير من العقول ذلك، ومن جزائه أنه يديل المسيء على المحسن لهفوة وقعت له ليراجع حاله بالتوبة.
ولما كان سبحانه قادراً لا يفوته شيء كان بحيث لا يعجل، فأخر الجزاء إلى اليوم الموعود: {ثم} أي بعد الابتلاء بالإملاء في الدنيا والحبس في البرزخ.
{إلى ربكم} أي المالك لكم وحده لا إلى غيره {ترجعون}.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
الجملة مستأنفة لبيان كيفية الجزاء...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يعقب على هذا بفردية التبعة، وعدالة الجزاء، وتوكيد الرجوع إلى الله وحده في نهاية المطاف: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها، ثم إلى ربكم ترجعون). بذلك يتسع صدر المؤمن، ويرتفع شعوره؛ ويحتمل المساءات الفردية والنزوات الحمقاء من المحجوبين المطموسين، في غير ضعف، وفي غير ضيق.
فهو أكبر وأفسح وأقوى. وهو حامل مشعل الهدى للمحرومين من النور، وحامل بلسم الشفاء للمحرومين من النبع، وهو مجزيٌّ بعمله، لا يصيبه من وزر المسيء شيء. والأمر لله في النهاية، وإليه المرجع والمآب.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ أمثال هذه التعابير تبين حقيقة أنّ دعوة الداعين إلى الله سبحانه خدمة للبشر في جميع أبعادها، وليست خدمة لله الغني عن كلّ شيء، ولا لأنبيائه الذين أجرهم على الله فقط.
إنّ الانتباه إلى هذه الحقيقة يعدّ عاملاً مهماً في السير نحو طاعة الله سبحانه، والابتعاد عن معصيته.