لكنه - سبحانه - يهديهم إلى طريق تؤدى بهم إلى جهنم خالدين فيها أبدا ، بسبب إيثارهم الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، وبسبب فساد استعدادهم ، وسوء اختيارهم .
والتعبير بالهداية فى جانب طريق النار من باب التهكم بهم .
وقوله { خَالِدِينَ فِيهَآ } حال مقدرة من الضمير المنصوب فى { يَهْدِيَهُمْ } ، لأن المراد بالهداية هداتيهم فى الدنيا إلى طريق جهنم . أى : ما يؤدى بهم إلى الدخول فيها .
وقوله { أَبَداً } منصوب على الظرفية ، وهو مؤكد للخلود فى النار ؛ رافع لاحتمال أن يراد بالخلود المكث الطويل .
أى : خالدين فيها خلودا أبديا بحيث لا يخرجون منها .
وقوله : { وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً } تذييل قصد به تحقير شأنهم ، وبيان أنه - سبحانه - لا يعبأ بهم .
والمراد : وكان ذلك - أى : انتفاء غفران ذنبوهم ، وانتفاء هدايتهم إلى طريق الخير ، وقذفهم فى جهنم وبئس المهاد - كان كل ذلك على الله يسيرا . أى : هينا سهلا لأنه - سبحانه - لا يستعصى على قدرته شئ .
{ إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاّ طَرِيقَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : إنّ الذين جحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكفروا بالله بجحود ذلك وظلموا بمقامهم على الكفر ، على علم منهم بظلمهم عباد الله ، وحسدا للعرب ، وبغيا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ يعني : لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم بتركه عقوبتهم عليها ، ولكنه يفضحهم بها بعقوبته إياهم عليها . وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقا يقول : ولم يكن الله تعالى ذكره ليهدى هؤلاء الذين كفروا وظلموا ، الذين وصفنا صفتهم ، فيوفقهم لطريق من الطرق التي ينالون بها ثواب الله ، ويصلون بلزومهم إياه إلى الجنة ، ولكنه يخذلهم عن ذلك ، حتى يسلكوا طريق جهنم . وإنما كني بذكر الطريق عن الدين وإنما معنى الكلام : لم يكن الله ليوفقهم للإسلام ، ولكنه يخذلهم عنه إلى طريق جهنم ، وهو الكفر ، يعني : حتى يكفروا بالله ورسله ، فيدخلوا جهنم خالدين فيها أبدا ، يقول : مقيمين فيها أبدا . وكانَ ذَلِكَ على اللّهِ يَسِيرا يقول : وكان تخليد هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم في جهنم على الله يسيرا ، لأنه لا يقدر من أراد ذلك به على الامتناع منه ، ولا له أحد يمنعه منه ، ولا يستصعب عليه ما أراد فعله به ، من ذلك ، وكان ذلك على الله يسيرا ، لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره .
قوله : { إلا طريق جهنم } استثناء متّصل إن كان الطريق الذي نفي هديهم إليه الطريقَ الحقيقي ، ومنقطع إن أريد بالطريق الأوّل الهدى . وفي هذا الاستثناء تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه : لأنّ الكلام مسوق للإنذار ، والاستثناء فيه رائحة إطماع ، ثُمّ إذا سمع المستثنى تبيّن أنّه من قبيل الإنذار . وفيه تهكّم لأنّه استثنى من الطريق المعمول { لِيَهْدِيهم } ، وليس الإقحام بهم في طريق جهنّم بهدي لأنّ الهدي هو إرشاد الضالّ إلى المكان المحبوب .
ولذلك عقّبه بقوله : { وكان ذلك } أي الإقحام بهم في طريق النّار على الله يسيراً إذ لا يعجزه شيء ، وإذ هم عبيده يصرفهم إلى حيث يشاء .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم استثنى: {إلا طريق جهنم خالدين فيها}: طريق الكفر، فهو يقود إلى جهنم خالدين فيها {أبدا وكان ذلك على الله يسيرا}، يعني عذابهم على الله هينا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 168]
إنّ الذين جحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكفروا بالله بجحود ذلك وظلموا بمقامهم على الكفر، على علم منهم بظلمهم عباد الله، وحسدا للعرب، وبغيا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، "لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ": لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم بتركه عقوبتهم عليها، ولكنه يفضحهم بها بعقوبته إياهم عليها.
"وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقا": ولم يكن الله تعالى ذكره ليهدي هؤلاء الذين كفروا وظلموا، الذين وصفنا صفتهم، فيوفقهم لطريق من الطرق التي ينالون بها ثواب الله، ويصلون بلزومهم إياه إلى الجنة، ولكنه يخذلهم عن ذلك، حتى يسلكوا طريق جهنم. وإنما كنى بذكر الطريق عن الدين، وإنما معنى الكلام: لم يكن الله ليوفقهم للإسلام، ولكنه يخذلهم عنه إلى طريق جهنم، وهو الكفر، يعني: حتى يكفروا بالله ورسله، فيدخلوا جهنم "خالدين فيها أبدا": مقيمين فيها أبدا. "وكانَ ذَلِكَ على اللّهِ يَسِيرا": وكان تخليد هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم في جهنم على الله يسيرا، لأنه لا يقدر من أراد ذلك به على الامتناع منه، ولا له أحد يمنعه منه، ولا يستصعب عليه ما أراد فعله به، من ذلك، وكان ذلك على الله يسيرا، لأن الخلق خلقه، والأمر أمره.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
كأنه على الإضمار بألا يهديهم في الآخرة طريقا {إلا طريق جهنم}. ويحتمل ما قال أهل التأويل؛ قالوا: لا يهديهم طريق الإسلام {إلا طريق جهنم} طريق الكفر والشرك، وهما طريقا جهنم في الدنيا، والإسلام هو طريق الجنة في الدنيا. وهذه الآية والآية الأولى في قوم، علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا، ويموتون على ذلك حين أخبر أنه عز وجل لا يغفر لهم، ولا يهديهم {خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا}.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم} هذه هداية الطرق وليست بالإرشاد على الإطلاق. وباقي الآية بيّن يتضمن تحقير أمر الكفار، وأنهم لا يباليهم الله بالة،كما ورد في الحديث (يذهب الصالحون الأول فالأول. حتى تبقى حثالة كحثالة التمر لا يباليهم الله بالة) المعنى: إذ هم كفار في آخر الزمان وعليهم تقوم الساعة.
وكان ذلك على الله يسيرا، والمعنى لا يتعذر عليه شيء فكان إيصال الألم إليهم شيئا بعد شيء إلى غير النهاية يسيرا عليه وإن كان متعذرا على غيره.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم تهكم بهم بقوله: {إلا طريق جهنم} أي بما تجهموا مَنْ ظلموه. ولما كان المعنى: فإنه يسكنهم إياها، قال: {خالدين فيها} أي لأن الله لا يغفر الشرك، وأكد ذلك بقوله: {أبداً}.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
ولما كان مقتضى سنة الله في أولئك الكافرين الظالمين أنه لا يهديهم بكفرهم وظلمهم طريقا إلا طريق جهنم، وعلم منه أنهم صائرون إليها، ولا بد أن يصلوها، قال {خالدين فيها أبدا} أي يدخلونها ويذوقون عذابها حال كونهم خالدين فيها أبدا.
{وكان ذلك على الله يسيرا} أي وكان ذلك الجزاء سهلا على الله دون غيره، لأنه مقتضى حكمته وسنته، ولا يستعصي على قدرته، فعلى العاقل أن يتدبر ويتفكر، ليعلم أنه لا ملجأ له من الله ولا مفر، ولكل نبأ مستقر.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وكان ذلك على الله يسيرًا).. فهو القاهر فوق عباده. وليس بينه وبين أحد من العباد صهر ولا نسب، يجعل أخذهم بهذا الجزاء العادل المستحق عليهم عسيرا. وليس لأحد من عباده قوة ولا حيلة تجعل أخذه عسيرا على الله أيضا.. ولقد كان اليهود -كما كان النصارى- يقولون: (نحن أبناء الله وأحباؤه). وكانوا يقولون: (لن تمسنا النار إلا أياما معدودات). وكانوا يقولون: نحن شعب الله المختار.. فجاء القرآن لينفي هذا كله. ويضعهم في موضعهم.. عبادا من العباد.. إن أحسنوا أثيبوا، وإن أساءوا -ولم يستغفروا ويتوبوا- عذبوا.. (وكان ذلك على الله يسيرًا)
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وفي هذا الاستثناء تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه: لأنّ الكلام مسوق للإنذار، والاستثناء فيه رائحة إطماع، ثُمّ إذا سمع المستثنى تبيّن أنّه من قبيل الإنذار. وفيه تهكّم لأنّه استثنى من الطريق المعمول {لِيَهْدِيهم}، وليس الإقحام بهم في طريق جهنّم بهدي لأنّ الهدي هو إرشاد الضالّ إلى المكان المحبوب. ولذلك عقّبه بقوله: {وكان ذلك} أي الإقحام بهم في طريق النّار على الله يسيراً إذ لا يعجزه شيء، وإذ هم عبيده يصرفهم إلى حيث يشاء.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 167]
هؤلاء الكفار الذين لا يكتفون بأن يكفروا بالله، بل يضيفون إلى ذلك الوقوف كحجر عثرة أمام سبيل الله، في كل جوانب الفكر والعمل، ويعملون على أن يمنعوا العاملين من التحرُّك بحرية من أجل الوصول إلى قناعات الناس، من موقع الإقناع القائم على البرهان والحجة الواضحة... هؤلاء الكافرون تائهون ضالّون ضلالاً بعيداً، لأنهم يحسبون أنفسهم في طريق الهدى جهلاً واستكباراً؛ ولهذا فإنهم لا يرجعون إلى قاعدة من الهدى ليرتكزوا عليها، بل يظلون ينتقلون من ضلال إلى ضلال، لأنهم لا يسمحون لأفكارهم أن تتحرك في داخلهم بحرية ليكتشفوا الحق من ذلك الموقع.