وقوله : وَإنّهُ لَتَذْكِرَةٌ للْمُتّقِينَ يقول تعالى ذكره : وإن هذا القرآن لتذكرة ، يعني عظة يتذكر به ، ويتعظ به للمتقين ، وهم الذين يتقون عقاب الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنّهُ لَتَذْكِرَةٌ للْمُتّقِينَ قال : القرآن .
عطف على { إنه لقول رسول كريم } [ الحاقة : 40 ] ، والضمير عائد إلى القرآن الذي تقدم ضميره في قوله : { إنه لقول رسول كريم } ، فلما أبطل طعنهم في القرآن بأنه قول شاعر ، أو قول كاهن أعقب ببيان شرفه ونفعه ، إمعاناً في إبطال كلامهم بإظهار الفرق البيّن بينه وبين شعر الشعراء وزمزمة الكهان ، إذ هو تذكرة وليس ما ألحقوه به من أقوال أولئك من التذكير في شيء .
والتذكرة : اسم مصدر التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه .
والإِخبار ب { وإنه لتذكرة } إخبار بالمصدر للمبالغة في الوصف . والمعنى : أنه مذكِّر للناس بما يغفلون عنه من العلم بالله وما يليق بجلاله لينتشلهم من هوة التمادي في الغفلة حتى يفوت الفوات ، فالقرآن في ذاته تذكرة لمن يريد أن يتذكر سواء تذكَّر أم لم يتذكر ، وقد تقدم تسمية القرآن بالذِكر والتذكير في آيات عديدة منها قوله تعالى في سورة طه ( 3 ) { إلاّ تذكرة لمن يخشى } وقوله : { وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر } في سورة [ الحجر : 6 ] .
والمراد بالمتقين المؤمنون فإنهم المتصفون بتقوى الله لأنهم يؤمنون بالبعث والجزاء دون المشركين . فالقرآن كان هادياً إياهم للإيمان كما قال تعالى : { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] وكلما نزل منه شيء أو تلوا منه شيئاً ذكرهم بما علموا لئلا تعتريهم غفلة أو نسيان فالقرآن تذكرة للمتقين في الماضي والحال والمستقبل ، فإن الإِخبار عنه باسم المصدر يتحمل الأزمنة الثلاثة إذ المصدر لا إشعار له بوقت بخلاف الفعل وما أشبهه .
وإنما علق { للمتقين } بكونه ( تذكرة ) لأن المتقين هم الذين أدركوا مزيته .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإنه} وإن هذا القرآن {لتذكرة للمتقين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإن هذا القرآن لتذكرة، يعني عظة يتذكر به، ويتعظ به للمتقين، وهم الذين يتقون عقاب الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وهو تذكرة لأنه يذكرهم الوعد والوعيد وما يتقى وما يؤتى وغير ذلك. فهو تذكرة، يعني القرآن.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والضمير في قوله تعالى: {وإنه لتذكرة} عائد على القرآن، وقيل على محمد صلى الله عليه وسلم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان هذا كناية عن هذا من غير نظر إلى حقائق مفرداته ولا معنى شيء منها على انفراده، فكان كأنه قيل: تنزيل من رب العالمين غير متخيل فيه الكذب بوجه، عطف على ذلك قوله: {وإنه} أي القرآن بعد أن كان ذكراً لجميع العالمين {لتذكرة} أي مذكر عظيم جداً {للمتقين} أي من العالمين لأنهم المنتفعون به لإقبالهم عليه إقبال مستفيد.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وأخيرا تجيء الخاتمة التقريرية بحقيقة هذا الأمر وطبيعته القوية: (وإنه لتذكرة للمتقين. وإنا لنعلم أن منكم مكذبين. وإنه لحسرة على الكافرين. وإنه لحق اليقين). فهذا القرآن يذكر القلوب التقية فتذكر. إن الحقيقة التي جاء بها كامنة فيها. فهو يثيرها فيها ويذكرها بها فتتذكرها. فأما الذين لا يتقون فقلوبهم مطموسة غافلة لا تتفتح ولا تتذكر، ولا تفيد من هذا الكتاب شيئا. وإن المتقين ليجدون فيه من الحياة والنور والمعرفة والتذكير ما لا يجده الغافلون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما أبطل طعنهم في القرآن بأنه قول شاعر، أو قول كاهن أعقب ببيان شرفه ونفعه، إمعاناً في إبطال كلامهم بإظهار الفرق البيّن بينه وبين شعر الشعراء وزمزمة الكهان، إذ هو تذكرة وليس ما ألحقوه به من أقوال أولئك من التذكير في شيء. والتذكرة: اسم مصدر التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه. والإِخبار ب {وإنه لتذكرة} إخبار بالمصدر للمبالغة في الوصف. والمعنى: أنه مذكِّر للناس بما يغفلون عنه من العلم بالله وما يليق بجلاله لينتشلهم من هوة التمادي في الغفلة حتى يفوت الفوات، فالقرآن في ذاته تذكرة لمن يريد أن يتذكر سواء تذكَّر أم لم يتذكر، وقد تقدم تسمية القرآن بالذِكر والتذكير في آيات عديدة منها قوله تعالى في سورة طه (3) {إلاّ تذكرة لمن يخشى} وقوله: {وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر} في سورة [الحجر: 6].
والمراد بالمتقين المؤمنون فإنهم المتصفون بتقوى الله لأنهم يؤمنون بالبعث والجزاء دون المشركين. فالقرآن كان هادياً إياهم للإيمان كما قال تعالى: {هدى للمتقين} [البقرة: 2] وكلما نزل منه شيء أو تلوا منه شيئاً ذكرهم بما علموا لئلا تعتريهم غفلة أو نسيان فالقرآن تذكرة للمتقين في الماضي والحال والمستقبل، فإن الإِخبار عنه باسم المصدر يتحمل الأزمنة الثلاثة إذ المصدر لا إشعار له بوقت بخلاف الفعل وما أشبهه. وإنما علق {للمتقين} بكونه (تذكرة) لأن المتقين هم الذين أدركوا مزيته.