التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَإِنَّهُۥ لَتَذۡكِرَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ} (48)

عطف على { إنه لقول رسول كريم } [ الحاقة : 40 ] ، والضمير عائد إلى القرآن الذي تقدم ضميره في قوله : { إنه لقول رسول كريم } ، فلما أبطل طعنهم في القرآن بأنه قول شاعر ، أو قول كاهن أعقب ببيان شرفه ونفعه ، إمعاناً في إبطال كلامهم بإظهار الفرق البيّن بينه وبين شعر الشعراء وزمزمة الكهان ، إذ هو تذكرة وليس ما ألحقوه به من أقوال أولئك من التذكير في شيء .

والتذكرة : اسم مصدر التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه .

والإِخبار ب { وإنه لتذكرة } إخبار بالمصدر للمبالغة في الوصف . والمعنى : أنه مذكِّر للناس بما يغفلون عنه من العلم بالله وما يليق بجلاله لينتشلهم من هوة التمادي في الغفلة حتى يفوت الفوات ، فالقرآن في ذاته تذكرة لمن يريد أن يتذكر سواء تذكَّر أم لم يتذكر ، وقد تقدم تسمية القرآن بالذِكر والتذكير في آيات عديدة منها قوله تعالى في سورة طه ( 3 ) { إلاّ تذكرة لمن يخشى } وقوله : { وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر } في سورة [ الحجر : 6 ] .

والمراد بالمتقين المؤمنون فإنهم المتصفون بتقوى الله لأنهم يؤمنون بالبعث والجزاء دون المشركين . فالقرآن كان هادياً إياهم للإيمان كما قال تعالى : { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] وكلما نزل منه شيء أو تلوا منه شيئاً ذكرهم بما علموا لئلا تعتريهم غفلة أو نسيان فالقرآن تذكرة للمتقين في الماضي والحال والمستقبل ، فإن الإِخبار عنه باسم المصدر يتحمل الأزمنة الثلاثة إذ المصدر لا إشعار له بوقت بخلاف الفعل وما أشبهه .

وإنما علق { للمتقين } بكونه ( تذكرة ) لأن المتقين هم الذين أدركوا مزيته .