وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ أي : لا تكتفوا بمجرد الدعوى الخالية التي لا حقيقة لها ، فإنها حالة لا يرضاها اللّه ولا رسوله ، فليس الإيمان بالتمني والتحلي ، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال .
22 - 23 إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ .
وقوله : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } تأكيد لما قبله ، ونهى لهم عن التشبه بالضالين .
أى أطيعوا الله ورسوله في كل أحوالكم عن إخلاص وإذعان ، ولا تقصروا في ذلك في وقت الأوقات ، وإياكم أن تتشبهوا بأولئك الكافرين والمنافقين الذين ادعوا السماع فقالوا سمعنا ، والحال أنهم لم يسمعوا سماع تدبر واتعاظ ، لأنهم لم يصدقوا ما سمعوه ، ولم يتأثروا به . بل نبذوه وراء ظهورهم .
فالمنفى في قوله - تعالى - { وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } سماع خاص ، وهو سماع التدبر والاتعاظ ، لكنه جئ به على سبيل الإِطلاق ، للإِشعار بأنهم قد نزلوا من لم يسمع أصلا ، بجعل سماعهم بمنزلة العدم ، حيث إنه سماع لا وزن له ، ولا فائدة لهم من روائه ، مع أنهم لو فتحوا آذانهم وقلوبهم للحق لاستفادوا ، ولكنهم آثروا الغى على الرشد .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } . .
يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : لا تكونوا أيها المؤمنون في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالمشركين الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلى عليهم ، قالوا قد سمعنا بآذاننا وهم لا يسمعون يقول : وهم لا يعتبرون ما يسمعون بآذانهم . ولا ينتفعون به لإعراضهم عنه ، وتركهم أن يوعوه قلوبهم ويتدبروه فجعلهم الله لما لم ينتفعوا بمواعظ القرآن وإن كانوا قد سمعوها بآذانهم ، بمنزلة من لم يسمعها . يقول جلّ ثناؤه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكونوا أنتم في الإعراض عن أمر رسول الله وترك الانتهاء إليه وأنتم تسمعونه بآذَانكم كهؤلاء المشركين الذين يسمعون مواعظ كتاب الله بآذَانهم ، ويقولون : قد سمعنا ، وهم عن الاستماع لها والاتعاظ بها معرضون ، كمن لم يسمعها .
وكان ابن إسحاق يقول في ذلك ، ما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ : أي كالمنافقين الذين يظهرون له الطاعة ، ويسرّون المعصية .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ قال : عاصون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وللذي قال ابن إسحاق وجه ، ولكن قوله : وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ في سياق قصص المشركين ، ويتلوه الخبر عنهم بذمهم ، وهو قوله : إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ البُكْمُ الّذِينَ لا يَعْقِلُونَ فلأن يكون ما بينهما خبرا عنهم أولى من أن يكون خبرا عن غيرهم .
وقوله { كالذين قالوا } يريد الكفار ، فإما من قريش لقولهم { سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا }{[5273]} وإما الكفار على الإطلاق الذين يقولون سمعنا القرآن وعلمنا أنه سحر أو شعر وأساطير بحسب اختلافهم ، ثم أخبر الله عنهم خبراً نفى به أنهم سمعوا أي فهموا ووعوا ، لأنه لا خلاف أنهم كانوا يسمعون التلاوة بآذانهم ولكن صدورهم مطبقة لم يشرحها الله عز وجل لتلقي معاني القرآن والإيمان به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.