{ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ } عرف بذلك صدق يوسف وبراءته ، وأنها هي الكاذبة .
فقال لها سيدها : { إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } وهل أعظم من هذا الكيد ، الذي برأت به نفسها مما أرادت وفعلت ، ورمت به نبي الله يوسف عليه السلام ، ثم إن سيدها لما تحقق الأمر ، قال ليوسف :
وقوله - سبحانه - { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ . . . } بيان لما قاله زوجها بعد أن انكشفت له الحقيقة انكشافا تاما .
أى : فلما رأى العزيز قميص يوسف قد قطع من الخلف . وجه كلامه إلى زوجته معاتبا إياها بقوله : إن محاولتك اتهام ليوسف بما هو برئ منه ، هو نوع من " كيدكن " ومكركهن وحيلكن { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } في بابه ، لأن كثيرا من الرجال لا يفطنون إلى مراميه .
وهكذا واجه ذلك الرجل خيانة زوجه له بهذا الأسلوب الناعم الهادئ ، بأن نسب كيدها ومكرهها لا إليها وحدها بل الجنس كله { إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فلما رءا} الزوج {قميصه قد من دبر}، يقول: مزق من ورائه، {قال} لها:
{إنه من كيدكن}، يقول: تمزيق القميص من فعلكن، يعني: امرأته، ثم قال: {إن كيدكن}، يعنى: فعلكن،
{عظيم}، لأن المرأة لا تزال بالرجل حتى يقع في الخطيئة العظيمة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله: {فَلَمّا رأى قَمِيصَهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ}، خبر عن زوج المرأة، وهو القائل لها: إن هذا الفعل {من كيدكنّ}: أي صنيعكنّ، يعني: من صنيع النساء، {إن كيدكنّ عظيم}. وقيل: إنه خبر عن الشاهد أنه القائل ذلك.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
الثاني: أنه أراد السوء الذي دعته إليه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَلَماَّ رَّءَا} يعني [الزوج] وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها {قَالَ إِنَّهُ} إن قولك {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} أو إنّ الأمر وهو طمعها في يوسف {مِن كَيْدِكُنَّ} الخطاب لها ولأمتها. وإنما استعظم كيد النساء لأنه وإن كان في الرجال، إلا أنّ النساء ألطف كيداً وأنفذ حيلة. ولهنّ في ذلك نيقة ورفق، وبذلك يغلبن الرجال... والقصريات من بينهنّ معهنّ ما ليس مع غيرهنّ من البوائق...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان المعنى: فنظر، بنى عليه قوله: {فلما رءا} أي سيدها {قميصه} أي يوسف عليه الصلاة والسلام {قدَّ من دبر قال} لها وقد قطع بصدقه وكذبها، مؤكداً لأجل إنكارها {إنه} أي هذا القذف له {من كيدكن} معشر النساء؛ والكيد: طلب الإنسان بما يكرهه {إن كيدكن عظيم} والعظيم: ما ينقص مقدار غيره عنه حساً أو معنى، فاستعظمه لأنه أدق من مكر الرجل وألطف وأخفى...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} كأنه لم يكن رأى ذلك بعدُ أو لم يتدبَّرْه فلما تنبه له وعلم حقيقةَ الحال {قَالَ إِنَّهُ} أي الأمرَ الذي وقع فيه التشاجرُ وهو عبارةٌ عن إرادة السوءِ التي أُسندت إلى يوسف وتدبيرِ عقوبته بقولها:"ما جزاءُ من أراد بأهلك سوءاً..." إلى آخره لكن لا من حيث صدورُ تلك الإرادةِ والإسنادُ عنها بل مع قطع النظرِ عن ذلك لئلا يخلُوَ قوله تعالى {مِن كَيْدِكُنَّ}، أي من جنس حيلتِكن ومكرِكن أيتها النساءُ لا من غيركن... وتعميمُ الخطاب للتنبيه على أن ذلك خُلُق لهن عريق...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن} أي أن هذا العمل ومحاولة التنصل منه بالاتهام من كيدكن المعهود منكن معشر النساء، فهو لم يخص الكيد بزوجه فيقال إنه أمر شاذ منها يجب التروي في تحقيقه بأكثر مما شهد به أحد أهلها، وهو لا يتهم في التحامل عليها وظلمها، بل هو سنة عامة فيهن في التفصي من خطيئاتهن، فقد أثبت خطيئتها مستدلا عليها بالسنة العامة لهن في أمثالها {إن كيدكن عظيم} لا قبل للرجال به ولا يفطنون لحبلكن في دقائقه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
تبين له حسب الشهادة المبنية على منطق الواقع أنها هي التي راودت، وهي التي دبرت الاتهام وهنا تبدو لنا صورة من "الطبقة الراقية "في الجاهلية قبل آلاف السنين وكأنها هي هي اليوم شاخصة: رخاوة في مواجهة الفضائح الجنسية، وميل إلى كتمانها عن المجتمع، وهذا هو المهم كله: (قال: إنه من كيدكن. إن كيدكن عظيم. يوسف أعرض عن هذا، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين)! هكذا. إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم. فهي اللباقة في مواجهة الحادث الذي يثير الدم في العروق. والتلطف في مجابهة السيدة بنسبة الأمر إلى الجنس كله، فيما يشبه الثناء. فإنه لا يسوء المرأة أن يقال لها: إن كيدكن عظيم! فهو دلالة في حسها على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد العظيم!...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
واقتنع العزيز بهذه الملاحظة لأنها قريبة لمنطق الأشياء، {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} صدّق يوسف بأنها راودته عن نفسه، والتفت إليها في موقف استنكار وتأنيب، {قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} لما كان يحمله في نفسه من انطباع عن كيد النساء اللواتي يُقمن ضعفهن الأنثوي في مخاطبة شهوة الرجل وغريزته، واستعمال ذلك الضعف كسلاحٍ ضدّه، في ما تذرفه من دموع في حالة الشكوى، وفي ما تقدّمه من أساليب أخرى في محاولة لإقناع الآخرين بظلامتها. وفي هذا الاتجاه سارت زوجة العزيز في موقفها من يوسف، مستغلة وجوده عندها في البيت، وحاجته إليها في ظروف العبودية التي فُرضت عليه، ويقظة غرائز المراهقة في دمه وأعصابه، وعندما امتنع عليها لاحقته في محاولة منها للضغط عليه، ولما فاجأها زوجها بالموقف الشائن بادرت إلى اتهام يوسف بالاعتداء عليها، اعتقاداً منها بأن طبيعة الأمور في مثل هذه الحالات تفرض على زوجها تصديقها وتكذيب يوسف، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} لأنّ المرأة تملك من الوسائل الخفيّة، ما تستطيع به السيطرة على الموقف من أوسع السبل...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.