وأما مقابلته بالإعراض ، أو ما هو أعظم منه من الإنكار ، فإنه كفر لهذه النعمة ، ومن فعل ذلك ، فهو مستحق للعقوبة ، ولهذا قال : { مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } فلم يؤمن به ، أو تهاون بأوامره ونواهيه ، أو بتعلم معانيه الواجبة { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا } وهو ذنبه ، الذي بسببه أعرض عن القرآن ، وأولاه الكفر والهجران .
ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة من يعرض عن هداية هذا القرآن فقال : { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلاً } .
والوزر فى الأصل يطلق على الحمل الثقيل ، وعلى الإثم والذنب ، والمراد به هنا العقوبة الثقيلة الأليمة المترتبة على تلك الأثقال والآثام .
قال صاحب الكشاف : والمراد بالوزر : العقوبة الثقيلة الباهظة ، سماها وزرا تشبيها فى ثقلها على المعاقب ، وصعوبة احتمالها ، بالحمل الذى يفدح الحامل ، وينقض ظهره ، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم .
وقد أخبرنا القرآن فى كثير من آياته ، أن الكافرين يأتون يوم القيامة وهم يحملون أوزارهم ، أى : أثقال ذنوبهم على ظهورهم ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } أى : من أعرض عن هذا الذكر وهو القرآن الكريم فإنه بسبب هذا الإعراض والترك ، يحمل يوم القيامة على ظهره آثاما كثيرة : تؤدى إلى العقوبة المهينة من الله - تعالى - .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{من أعرض عنه} يعني: عن إيمان بالقرآن {فإنه يحمل يوم القيامة وزرا} آية، يعني: إثما بإعراضه عن القرآن.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: من ولّى عنه فأدبر فلم يصدّق به ولم يقرّ" فإنه يَحْمِلُ يَوْمَ القِيامَة وِزْرا "يقول: فإنه يأتي ربه يوم القيامة يحمل حملاً ثقيلاً، وذلك الإثم العظيم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} الوزر الحمل، وسميت الآثام حملا، لأن الآثام تنقض ظهور أصحابها في النار، وتكسرها كالحمل ينقض ظهر صاحبه، ويكسر...
يحتمل الإعراض عنه وجهين: أحدهما: {أعرض عنه} أي كفر به، وكذبه، ولم يلتفت إليه. والثاني: {أعرض عنه} أي لم يعمل بما فيه. ومن لم يعمل من المسلمين بما فيه يخاف أن يكون في وعيد هذه الآية.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
يريد بالوزر: العقوبة الثقيلة الباهظة، سماها وزراً تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يفدح الحامل، وينقض ظهره، ويلقي عليه بهره: أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال تعالى: {لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]. فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضَلَّ وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة؛ ولهذا قال: {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ} أي: لا مَحِيد لهم عنه ولا انفكاك {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا} أي: بئس الحمل حملهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما اشتمل هذا الذكر على جميع أبواب الخير، فكان كل ما ليس له فيه أصل شقاوة محضة وضلالاً بعيداً، قال يقص عليه من أنباء ما يأتي كما قص من أنباء ما قد سبق: {من أعرض عنه} أي عن ذلك الذكر، وهو عام في جميع من يمكن دخوله في معنى "من "من العالمين {فإنه يحمل} ولما كان المراد استغراق الوقت قال: {يوم القيامة وزراً} أي حملاً ثقيلاً من العذاب الذي سببه الوزر وهو الذنب، جزاء لإعراضه عنه واشتغاله بغيره.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وأما مقابلته بالإعراض، أو ما هو أعظم منه من الإنكار، فإنه كفر لهذه النعمة، ومن فعل ذلك، فهو مستحق للعقوبة، ولهذا قال: {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} فلم يؤمن به، أو تهاون بأوامره ونواهيه، أو بتعلم معانيه الواجبة {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} وهو ذنبه، الذي بسببه أعرض عن القرآن، وأولاه الكفر والهجران.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ولهذا السبب فإنّ الآية التالية تتحدّث عن الذين ينسون حقائق القرآن ودروس التأريخ وعبره، فتقول: (من أعرض عنه فإنّه يحمل يوم القيامة وزراً).
نعم.. إنّ الإعراض عن الله سبحانه يجرّ الإنسان إلى مثل هذه المتاهات التي تحمله أعباءاً ثقيلة من أنواع الذنوب والانحرافات الفكريّة والعقائدية وكلمة (وزر) عادةً تعني بحدّ ذاتها الحمل الثقيل، وذكرها نكرة يؤكّد تأكيداً أكبر على هذه المسألة.