قوله تعالى : { احشروا الذين ظلموا } أي : أشركوا ، اجمعوهم إلى الموقف للحساب والجزاء ، { وأزواجهم } أشياههم وأتباعهم وأمثالهم . قال قتادة و الكلبي : كل من عمل مثل عملهم ، فأهل الخمر مع أهل الخمر ، وأهل الزنا مع أهل الزنا . وقال الضحاك ومقاتل : وقرناءهم من الشياطين ، كل كافر مع شيطانه في سلسلة . وقال الحسن : وأزواجهم المشركات .
{ 22 - 26 } { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ }
أي إذا أحضروا يوم القيامة ، وعاينوا ما به يكذبون ، ورأوا ما به يستسخرون ، يؤمر بهم إلى النار ، التي بها كانوا يكذبون ، فيقال : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا } أنفسهم بالكفر والشرك والمعاصي { وَأَزْوَاجَهُمْ } الذين من جنس عملهم ، كل يضم إلى من يجانسه في العمل .
{ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } من الأصنام والأنداد التي زعموها ، .
ثم بين - سبحانه - حكمه العادل فيهم ، وصور أحوالهم البائسة تصويرا تقشعر من هوله الجلود ، وحكى جانبا من حسراتهم خلال تساؤلهم فيما بينهم فقال - تعالى - :
قوله - تعالى - : { احشروا } من الحشر بمعنى الجمع مع السوق يقال : حشر القائد جنده حشرا - من باب قتل - إذا جمعهم . والمحشر : المكان الذى يجتمع فيه الخلائق .
والمراد بالذين ظلموا : المشركون الذين أشركوا مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة ومن الآيات التى وردت وأطلق فيها الظلم على الشرك والكفر ، قوله - تعالى - : { إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } وقوله - سبحانه - { والكافرون هُمُ الظالمون } وقد ثبت فى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم فسر الظلم بالشرك فى قوله - تعالى - : { الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } والمراد بأزواجهم : أشباههم ، ونظراؤهم وأمثالهم فى الشرك والكفر ، وهذا التفسير مأثور عن عدد من الصحابة والتابعين ، منهم عمر بن الخطاب ، والنعمان بن بشير ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ومجاهد ، وأبو العالية .
وقيل المراد بأزواجهم . قرناؤهم من الشياطين ، بأن يحشر كل كافر مع شيطانه .
وقيل المراد بهم : نساؤهم اللائى كن على دينهم ، بأن كن مشركات فى الدنيا كأزواجهن ، ويبدو لنا أن جميع من ذكروا محشور . والعياذ بالله . إلى جهنم . إلا أن تفسير الأزواج هنا : بالأشباه والنظائر والأصناف أولى ، خصوصا وأن إطلاق الأزواج على الأصناف والأشباه جاء كثيرا فى القرآن الكريم ومن ذلك قوله - تعالى - : { سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } والمراد بما كانوا يعبدونه : الآلهة الباطلة التى كانوا فى الدنيا يعبدونها من دون الله ، كالأصنام والأوثان .
والأمر من الله - تعالى - للملائكة فى هذا اليوم الشديد ، وهو يوم القيامة .
أى : احشروا واجمعوا الذين كانوا مشركين فى الدنيا ، واجمعوا معهم كل من كان على شاكلتهم فى الكفر والضلال ، ثم اجمعوا معهم - أيضا - آلهتهم الباطلة التى عبدوها من دون الله - تعالى - ثم ألقوا بها جميعا فى جهنم ، ليذوقوا سعيرها وحرها .
وفى حشر الآلهة الباطلة مع عابديها ، زيادة تحسؤر وتخجيل لهؤلاء العابدين لأنهم رأوا بأعينهم بطلان وخسران ما كانوا يفعلونه فى الدنيا .
وقوله تعالى : { وأزواجهم } معناه وأنواعهم وضرباؤهم ، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عباس وقتادة ومنه قوله تعالى : { وكنتم أزواجاً ثلاثة }{[1]} [ الواقعة : 7 ] ، وقوله تعالى : { وإذا النفوس زوجت }{[2]} [ التكوير : 7 ] أي نوعت ، وروي أنه يضم عند هذا الأمر كل شكل وصاحبه من الكفرة إلى شكله وصاحبه ومعهم { ما كانوا يعبدون من دون الله } من آدمي رضي بذلك ومن صنم ووثن توبيخاً لهم وإظهاراً لسوء حالهم ، وقال الحسن : المعنى وأزواجهم المشركات من النساء وروي ذلك عن ابن عباس ورجحه الرماني .
تخلُّص من الإِنذار بحصول البعث إلى الإِخبار عما يحلّ بهم عقبه إذا ثبتوا على شركهم وإنكارهم البعث والجزاء .
و { احْشُرُوا } أمر ، وهو يقتضي آمراً ، أي ناطقاً به ، فهذا مقول لقول محذوف لظهور أنه لا يصلح للتعلق بشيء مما سبقه ، وحَذْفُ القول من حديث البحر ، وظاهر أنه أمر من قبل الله تعالى للملائكة الموكّلين بالناس يوم الحساب .
والحشر : جمع المتفرقين إلى مكان واحد .
و { الذين ظلموا } : المشركون { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] .
والأزواج ظاهره أن المراد به حلائلهم وهو تفسير مجاهد والحسن . وروي عن النعمان بن بشير يرويه عن عمر بن الخطاب وتأويله : أنهن الأزواج الموافقات لهم في الإِشراك ، أما من آمن فهن ناجيات من تبعات أزواجهن وهذا كذكر أزواج المؤمنين في قوله تعالى : { هم وأزواجهم في ظلال } [ يس : 56 ] فإن المراد أزواجهم المؤمنات فأطلق حملاً على المقيّد في قوله : { ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } [ الرعد : 23 ]
وذكر الأزواج إبلاغ في الوعيد والإِنذار لئلا يحسبوا أن النساء المشركات لا تبعة عليهن . وذلك مثل تخصيصهن بالذكر في قوله تعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } في سورة [ البقرة : 178 ] .
وقيل : الأزواج : الأصناف ، أي أشياعهم في الشرك وفروعه قاله قتادة وهو رواية عن عمر بن الخطاب وابن عباس .
وعن الضحاك : الأزواج المقارنون لهم من الشياطين .
وضمير { يَعْبُدُونَ } عائد إلى { الذين ظلموا وأزواجَهُم } . ومَا صدَقُ { ما } غير العقلاء ، فأما العقلاء فلا تزِرُ وازرة وزر أخرى .