وقوله - سبحانه - { لاَ تَجْأَرُواْ اليوم إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } تأنيب وزجر لهم على جؤارهم وصراخهم . والمراد باليوم . الوقت الذى فيه نزل العذاب بهم .
أى : عندما أخذناهم بالعذاب المباغت المفاجىء ، وضجوا بالاستغاثة والجؤار ، قلنا لهم على سبيل التقريع والزجر : لا تجأروا ولا تصرخوا فى هذا الوقت الذى أصابكم ما أصابكم فيه من عذاب . فإنكم لن تجدوا من ينجيكم من عذابنا ، أو من يدفع عنكم هذا العذاب . . .
جملة { لا تَجْأَرُوا اليوم } معترضة بين ما قبلها وما تفرع عليه من قوله : { أفلم يدبروا القول } [ المؤمنون : 68 ] وهي مقول قول محذوف ، أي تقول لهم : لا تجأروا اليوم .
وهذا القول كلام نفسي أعلمهم الله به لتخويفهم من عذاب لا يغني عنهم حين حلوله جؤار إذ لا مجيب لجؤارهم ولا مغيث لهم منه إذ هو عذاب خارج عن مقدور الناس لا يطمع أحد في تولي كشفه .
وهذا تأييس لهم من النجاة من العذاب الذي هُددوا به . وإذا كان المراد بالعذاب عذاب الآخرة فالقول لفظي والمقصود منه قطع طماعيتهم في النجاة .
والنهي عن الجؤار مستعمل في معنى التسوية . وورود النهي في معنى التسوية مقيس على ورود الأمر في التسوية . وعثرت على اجتماعهما في قوله تعالى : { اصبروا أو لا تصبروا سواءٌ عليكم } [ الطور : 16 ] .
جملة { إنكم منا لا تنصرون } تعليل للنهي المستعمل في التسوية ، أي لا تجأروا إذ لا جدوى لِجُؤَاركم إذ لا يقدر مجير أن يجيركم من عذابنا ، فموقع ( إن ) إفادة التعليل لأنها تغني غناء فاء التفريع .
وضمّن { تنصرون } معنى النجاة فعدي الفعل ب ( مِن ) ، أي لا تنجون من عذابنا . فثَمّ مضاف محذوف بعد ( مِن ) ، وحذف المضاف في مثل هذا المقام شائع في الاستعمال . وتقديم المجرور للاهتمام بجانب الله تعالى ولرعاية الفاصلة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول الله عز وجل: {لا تجأروا اليوم} لا تضجوا اليوم {إنكم منا لا تنصرون}، يقول: لا تمنعون منا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"لا تَجْأَرُوا اليَوْمَ" يقول: لا تضجّوا وتستغيثوا اليوم وقد نزل بكم العذاب الذي لا يدفع عن الذين ظلموا أنفسهم، فإن ضجيجكم غير نافعكم ولا دافع عنكم شيئا مما قد نزل بكم من سخط الله. إنّكُمْ مِنّا لا تُنْصَرُونَ يقول: إنكم من عذابنا الذي قد حلّ بكم لا تستنقذون، ولا يخلصكم منه شيء.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
المعنى يقال لهم يوم العذاب وعند حلوله {لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون} وهذا القول يجوز أن يكون حقيقة، أي تقول ذلك لهم الملائكة. ويحتمل أن يكون مجازاً أي لسان الحال يقول ذلك...
يقال لهم على وجه التبكيت.. دل بذلك سبحانه على أنهم سينتهون يوم القيامة إلى هذه الدرجة من الحسرة والندامة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فكأنه قيل: فهل يقبل اعتذارهم أو يرحم انكسارهم؟ فقيل: لا، بل يقال لهم بلسان الحال أو القال: {لا تجأروا اليوم} بعد تلك الهمم، فإن الرجل من لا يفعل شيئاً عبثاً، ثم علل ذلك بقوله: {إنكم منا} أي خاصة {لا تنصرون} أي بوجه من الوجوه، ومن عدم نصرنا لم يجد له ناصراً، فلا فائدة لجؤاره إلا إظهار الجزع.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
وجملة: {إِنَّكُمْ منَّا لاَ تُنصَرُونَ} تعليل للنهي عن الجؤار، والمعنى: إنكم من عذابنا لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم. وقيل المعنى: إنكم لا يلحقكم من جهتنا نصرة تمنعكم مما دهمكم من العذاب.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
أي قلنا لهم: هيهات هيهات، قد فات ما فات، الآن لا يجديهم البكاء والعويل، فهذا وقت الجزاء على ما كسبت أيديكم، وقد حقت عليكم كلمة ربكم، ولا مغيث من أمره، ولا ناصر يحول بينكم وبين بأسه. ولا يخفى ما في ذلك من التهويل الشديد لذلك اليوم وأنه لا تجدي فيه ضراعة ولا استغاثة، ولا ينفع فيه ولي ولا نصير.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وإنهم إذ يضرعون ويجأرون يفعلون ذلك في وقت غير مناسب؛ لأنه قد فات وقت الضراعة والاستغاثة بالله... {لا تجئروا اليوم} أي لا تضرعوا، لأنكم تأبيتم في وقت التكليف واستكبرتم علينا وكفرتم بآياتنا، فلن ننصركم، وبقي عليكم أن تذوقوا مغبة أعمالكم.