{ مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } أى : مقيمين فيه إقامة باقية دائمة لا انتهاء لها ، فالضمير فى قوله { فيه } يعود إلى الأجر الذى يراد به الجنة .
قال - تعالى - : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المتقين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } ثم خص - سبحانه - بالإِنذار فرقة من الكافرين ، نسبوا إلى الله - تعالى - ما هو منزه عنه ، فقال : { وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } .
و { ماكثين } حال من الضمير في { لهم } و { أبداً } ظرف لأنه دال على زمن غير متناه .
قال القاضي أبو محمد : وقد أشرت في تفسير هذه الآية إلى أمر اليهود قريشاً بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل الثلاث ، وينبغي أن تنص كيف كان ذلك .
ذكر ابن إسحاق عن ابن عباس بسند ، أنه قال : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ، إلى أحبار يهود بالمدينة ، فقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى أتيا المدينة ، فسألا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت لهما أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم ، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول وما كان من أمرهم ؟ فإنه كان لهم حديث عجيب ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح . فأقبل النضر وعقبة إلى مكة وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك{[7741]} ، وكان الأمر ما ذكرناه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ماكثين فيه}، يعني: الجزاء في الجنة، يقول: مقيمين فيها، {أبدا}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: أنزل على عبده القرآن معتدلاً مستقيما لا عوج فيه لينذركم أيها الناس بأسا من الله شديدا. وعنى بالبأس العذاب العاجل، والنكال الحاضر والسطوة. وقوله:"مِنْ لَدُنْهُ" يعني: من عند الله...
وقوله: "وَيُبَشّرَ المُؤْمِنِينَ "يقول: ويبشر المصدقين الله ورسوله "الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحات" وهو العمل بما أمر الله بالعمل به، والانتهاء عما نهى الله عنه "أنّ لَهُمْ أجْرا حَسَنا" يقول: ثوابا جزيلاً له من الله على إيمانهم بالله ورسوله، وعملهم في الدنيا الصالحات من الأعمال، وذلك الثواب: هو الجنة التي وعدها المتقون. وقوله: "ماكِثِينَ فِيهِ أبَدا" خالدين، لا ينتقلون عنه، ولا يُنْقَلون...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ماكثين فيه أبدا} يحتمل وجهين:
أحدهما: {ماكثين فيه أبدا} أي لا تأخذهم سآمة ولا ملالة فيه، فيُريدوا التحول منه إلى غير ما يكون في الشاهد أنه يسأم المرء، ويمل من طعام، وإن كان رفيقا، و يرغب في ما دونه، وهو ما قال: {خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} (الكهف: 108).
والثاني: {ماكثين فيه أبدا} لأن خوف الخروج والزوال عن النعمة ينغص النعمة على صاحبها، وهو ما قال: {خالدين فيها أبدا} (النساء: 57) وقال: {فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (البقرة: 38و...)...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
البشارة منه: أَنَّ تلك النِّعم على الدوام غير منقطعة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
حال كونهم {ماكثين فيه أبداً} بلا انقطاع أصلاً، فإن الأبد زمان لا آخر له، فجمعت هاتان العلتان جميع معاني الكتاب فإنه لا يكون كذلك إلا وقد جمع أيضاً جميع شرائع الدين وأمر المعاش وأمر المعاد وما يعنيهم فعله أو تركه أو اعتقاده، وما يتبع ذلك، وذلك هو القيم، أي المستقيم في نفسه، المقيم لغيره.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وفي ذكر التبشير ما يقتضي ذكر الأعمال الموجبة للمبشر به، وهو أن هذا القرآن قد اشتمل على كل عمل صالح، موصل لما تستبشر به النفوس، وتفرح به الأرواح.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
المكث: الاستقرار في المكان، شُبه ما لهم من اللذات والملائمات بالظرف الذي يستقر فيه حالُّهُ للدلالة على أن الأجر الحسن كالمحيط بهم لا يفارقهم طرفة عين، فليس قوله: {أبداً} بتأكيدٍ لمعنى {ماكثين} بل أفيد بمجموعها الإحاطة والدوام...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
المكث: البقاء مع الاطمئنان وألا يكون نزاع قط...
باقين فيه بقاءً أبدياً، وكان لابد أن يوصف أجر الله الحسن بأنه دائم، وأنهم ماكثون فيه أبداً؛ لأن هناك فرقاً بين أجر الناس للناس في الدنيا، وأجر المنعم سبحانه في الآخرة، لقد ألف الناس الأجر على أنه جعل على عمل، فعلى قدر ما تعمل يكون أجرك، فإن لم تعمل فلا أجر لك. أما أجر الله لعباده في الآخرة فهو أجر عظيم دائم، فإن ظلمك الناس في تقدير أجرك في الدنيا، فالله تعالى عادل لا يظلم يعطيك بسخاء؛ لأنه المنصف المتفضل، وإن انقطع الأجر في الدنيا فإنه دائم في الآخرة؛ لأنك مهما أخذت من نعيم الدنيا فهو نعيم زائل، إما أن تتركه، وإما أن يتركك.