وقوله - تعالى - : { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله نَاقَةَ الله وَسُقْيَاهَا } أى : فقال لهم رسول الله - تعالى - إليهم . وهو صالح - عليه السلام - على سبيل التحذير والإِنذار : احذروا عقر ناقة الله - تعالى - ، واحذروا سقياها ، أى : الوقت المحدد لشرابها فلا تمنعوها فيه من الشرب ، فإن لها يوم لا تشاركونها فيه الشرب ، وإن لكم يوما آخر هى لن تشارككم فيه . وقد قال لهم صالح - عليه السلام - هذا الكلام ، عندما شعر بأنهم قد بيتوا النية على عقرها .
فالفاء فى قوله - تعالى - : { فَقَالَ لَهُمْ . . . } عاطفة على قوله { كذبت } لإِفادة الترتيب والتعقيب . .
أى : قال لهم ذلك فى أعقاب شعوره بتصميمهم على تكذيبه ، وعلى قتل الناقة .
ولفظ " ناقة " منصوب على التحذير ، والكلام على حذف مضاف . أى : احذروا عقر ناقة الله ، وأضيفت إلى لفظ الجلالة ، على سبيل التشريف لها ، لأنها قد جعلها - سبحانه - معجزة لنبيه صالح - عليه السلام - ودليلا على صدقه .
وقوله : { وَسُقْيَاهَا } معطوف على ناقة الله ، وهو منصوب - أيضا - على التحذير .
أى : احذروا أن تقتلوا الناقة ، واحذروا أن تشاركوها فى اليوم الخاص بشربها ، فضلا عن أن تؤذوها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني بالرسول صالحا صلى الله عليه وسلم ، وهو بين لهم أمر الناقة وشربها ، وما يفعل الله عز وجل بهم إن كذبوا وعقروا الناقة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني بذلك جَلّ ثناؤه : صالحا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لثمود صَالحٌ : "ناقَةَ اللّهِ وَسُقْياها" احذَروا ناقة الله وسُقياها ، وإنما حذّرهم سُقيَا الناقة ، لأنه كان تقدّم إليهم عن أمر الله ، أن للناقة شِرَب يوم ، ولهم شِرْب يومٍ آخر ، غير يوم الناقة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدهما : أي احذروا ناقة الله ، وهو كقوله : { ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم } [ الأعراف : 73 ] .
والثاني : أي قال احذروا ناقة الله تأكل في أرض الله ، وذروا بين الناقة { وسقياها } وشربها .
ثم أضيفت الناقة إلى الله تعالى لوجهين :
أحدهما : أن الله تعالى لم يأذن لأحد بتملكها حتى ينسب إليه الملك ؛ بل بقيت غير مملوكة لأحد ، فأضيفت إلى الله تعالى كما أضيفت إليه المساجد لما لا ملك لأحد عليها .
الثاني : أنها أضيفت إلى الله تعالى على معنى التفضيل .
وقال لهم هي : { ناقة الله } وآيته الدالة على توحيده وعلى نبوتي ، فاحذروا أن تقوموا عليها بسوء ، واحذروا أيضا أن تمنعوها من سقياها .... فاقتصر على أن قال لهم : { ناقة الله وسقياها } لأن هذه الإشارة كافية مع الأمور المتقدمة التي ذكرناها . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ رسول الله } أي الملك الذي له الأمر كله ، فتعظميه من تعظيم مرسله وهو صالح عليه الصلاة والسلام وكذا الناقة ، وعبر بالرسول لأن وظيفته الإبلاغ والتحذير الذي ذكر هنا ، ولذا قال مشيراً بحذف العامل إلى ضيق الحال عن ذكره لعظيم الهول وسرعة التعذيب عند مسها بالأذى ، وزاد في التعظيم بإعادة الجلالة : { ناقة الله } أي الملك الأعظم الذي له الجبروت كله فلا يقر من انتهك حرمته واجترأ على ما أضافه إليه ، ولهذا أعاد الإظهار دون الإضمار ، والعامل : دعوا أو احذروا - أو نحو ذلك أي احذروا أذاها بكل اعتبار...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
فلا تمسّوها بسوء ، واجعلوا لها يوماً تشرب فيه من ينابيع الماء الموجودة لديكم ، ليتحوّل ذلك إلى لبنٍ تتغذون منه ، واجعلوا لكم يوماً آخر ، فهذه هي النعمة العظيمة التي أنزلها الله لتكون في مستوى الآية المعجزة ، وهذا هو البلاء الذي يمتحنكم فيه ليختبر في ما يظهر من مواقفكم صدق إيمانكم وكذبه ....