وقوله - سبحانه - : { سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } بيان للعاقبة السيئة التى تنتظره ، بعد هذا الذم والتأنيب والوعيد . أى : سيلقى بأبى لهب فى نار شديدة الحرارة ، تشوى الوجوه والأبدان ، ووصف - سبحانه - النار بأنها { ذات لهب } لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وكفره ؛ إذ هو معروف بأبى لهب ، والنار موصوفة بأنها ذات لهب شديد .
وقوله : { سيصلى ناراً ذات لهب } حتم عليه بالنار ، وإعلام بأنه يوافي على كفره . وانتزع أهل الأصول من هذه الآية تكليف ما لا يطاق ، وأنه موجود في قصة أبي لهب ، وذلك أنه مخاطب مكلف أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومكلف أن يؤمن بهذه السورة وصحتها ، فكأنه قد كلف أن يؤمن ، وأن يؤمن أنه لا يؤمن . قال الأصوليون : ومتى ورد تكليف ما لا يطاق فهي أمارة من الله تعالى أنه قد حتم عذاب ذلك المكلف كقصة { أبي لهب } . وقرأ الجمهور » { سيَصلى } بفتح الياء ، وقرأ ابن كثير والحسن وابن مسعود بضمها .
بيان لجملة : { ما أغنى عنه ماله وما كسب } أي لا يغني عنه شيء من عذاب جهنم . ونزل هذا القرآن في حياة أبي لهب . وقد مات بعد ذلك كافراً ، فكانت هذه الآية إعلاماً بأنه لا يُسلم وكانت من دلائل النبوءة .
والسين للتحقيق مثل قوله تعالى : { قال سوف أستغفر لكم ربي } [ يوسف : 98 ] .
و« يصلى ناراً » يُشوَى بها ويحس بإحراقها . وأصل الفعل : صلاهُ بالنار ، إذا شواه ، ثم جاء منه صَلي كأفعال الإِحساس مثل فرِح ومرِض . ونُصب { ناراً } على نزع الخافض .
ووصف النار ب { ذات لهب } لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره إذ هو أبو لهب والنار ذات لهب .
وهو ما تقدم الإِيماء إليه بذكر كنيته كما قدمناه آنفاً ، وفي وصف النار بذلك زيادة كشف لحقيقة النار وهو مِثل التأكيد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ سيصلى } يعني سيغشى أبو لهب { نارا ذات لهب } ليس لها دخان ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي ذات التهاب . وفيه دلالة إثبات رسالته حين أخبر أنه { سيصلى نارا } ولا يصلى النار إلا بعد ما يختم بالكفر ، ثم كان كما أخبر ، دل أنه علم ذلك بالله تعالى . وفي هذه السورة دلالتان أخريان تدلان على نبوته؛
إحداهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرأ هذه السورة عليهم بمكة حين لم يكن له ناصر في الدين ، وكانت المنعة والقوة للكفرة ، وكانوا جميعا أولياء أبي لهب وأنصارا له عن آخرهم . ولا يحتمل أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة عليه ، وفيها سب له وتعيير إلى يوم القيامة مع قلة أوليائه وكثرة أعدائه ، إذ فيه خوف هلاكه ، إلا برب العالمين .
والثانية : أنه صلى الله عليه وسلم كان موصوفا بحسن العشرة وجمال الصحبة مع الأجانب ، فما ظنك بالعشيرة والأقارب ؟ ... فما جاز له هذا إلا بأمر من الله تعالى ، فدل ذلك على نبوته ورسالته .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والسين للوعيد ، أي : هو كائن لا محالة ، وإن تراخى وقته .
هذه الآيات تضمنت الإخبار عن الغيب من ثلاثة أوجه؛
( أحدها ) : الإخبار عنه بالتباب والخسار ، وقد كان كذلك.
( وثانيها ) : الإخبار عنه بعدم الانتفاع بماله وولده ، وقد كان كذلك ...
( وثالثها ) : الإخبار بأنه من أهل النار ، وقد كان كذلك لأنه مات على الكفر ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ سيصلى } أي عن قرب بوعد لا خلف فيه { ناراً } أي فيدس فيها ، وتنعطف عليه ، وتحيط به . ولما كان المقصود شدة نكايته بأشد ما يكون من الحرارة كما أحرق أكباد الأولياء ، وكانت النار قد تكون جمراً ثم تنطفئ عن قرب قال : { ذات لهب } أي لا تسكن ولا تخمد أبداً ؛ لأن ذلك مدلول الصحبة المعبر عنها ب " ذات " ، وذلك بعد موته ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ووصف النار ب { ذات لهب } لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره إذ هو أبو لهب والنار ذات لهب ....