{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أي : هو المستحق للعبادة والألوهية ، فكل معبود سواه فباطل ، { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أي : فيلعتمدوا{[1125]} عليه في كل أمر نابهم ، وفيما يريدون القيام به ، فإنه لا يتيسر أمر من الأمور إلا بالله ، ولا سبيل إلى ذلك{[1126]} إلا بالاعتماد على الله ، ولا يتم الاعتماد على الله ، حتى يحسن العبد ظنه بربه ، ويثق به في كفايته الأمر الذي اعتمد عليه به ، وبحسب إيمان العبد يكون توكله ، فكلما قوي الإيمان قوي التوكل{[1127]} .
ثم يختم هذا المقطع بتقرير حقيقة الوحدانية التي ينكرونها ويكذبونها ، ويقرر شأن المؤمنين بالله في تعاملهم مع الله :
( الله لا إله إلا هو ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) . .
وحقيقة التوحيد هي أساس التصور الإيماني كله . ومقتضاها أن يكون التوكل عليه وحده . فهذا هو أثر التصور الإيماني في القلوب .
وبهذه الآية يدخل السياق في خطاب المؤمنين . فهي وصلة بين ما مضى من السورة وما يجيء .
ثم قال تعالى مخبرًا أنه الأحد الصمد ، الذي لا إله غيره ، فقال : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } فالأول خَبَرٌ عن التوحيد ، ومعناه معنى الطلب ، أي : وحدوا الإلهية له ، وأخلصوها لديه ، وتوكلوا عليه ، كما قال تعالى : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } [ المزمل : 9 ] .
يقول تعالى ذكره : وأطيعُوا اللّهَ أيها الناس في أمره ونهيه وأطيعُوا الرّسُولَ صلى الله عليه وسلم فإن توليتم فإن أدبرتم عن طاعة الله وطاعة رسوله مستكبرين عنها ، فلم تطيعوا الله ولا رسوله فإنما فليسَ على رسولنا محمد إلاّ البلاغُ المبينُ أنه بلاغ إليكم لما أرسلته به يقول جلّ ثناؤه : فقد أعذر إليكم بالإبلاغ والله وليّ الانتقام ممن عصاه ، وخالف أمره ، وتولى عنه اللّهُ لا إلَهَ إلا هو يقول جلّ ثناؤه : معبودكم أيها الناس معبود واحد لا تصلح العبادة لغيره ولا معبود لكم سواه .
وَعَلى الله فَلْيَتَوَكّل المُوءْمِنُون يقول تعالى ذكره : وعلى الله أيها الناس فليتوكل المصدّقون بوحدانيته .
{ اللَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ } .
جملة معترضة بين جملة { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } [ التغابن : 12 ] وجملة : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون .
واسم الجلالة مبتدأ وجملة : الله لا إله إلا هو } خبر . وهذا تذكير للمؤمنين بما يعلمونه . أي من آمن بأن الله لا إله إلا هو كان حقاً عليه أن يطيعه وأن لا يعبأ بما يصيبه في جانب طاعة الله من مصائب وأذى كما قال حُبيب بن عدي :
لستُ أبالي حين أُقتل مسلماً *** على أيّ جنب كان لله مصرعي
ويجوز أن تكون جملة { الله لا إله إلا هو } في موقع العلة لجملة { وأطيعوا الله } [ التغابن : 12 ] وتفيد أيضاً تعليل جملة { وأطيعوا الرسول } [ التغابن : 12 ] لأن طاعة الرسول ترجع إلى طاعة الله قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء : 80 ] .
وافتتاح الجملة باسم الجلالة إظهار في مقام الإضمار إذ لم يقُل هو لا إِله إلاّ هو لاستحضار عظمة الله تعالى بما يَحويه اسم الجلالة من معاني الكمال ، ولتكون الجملة مستقلة بنفسها فتكون جارية مجرى الأمثال والكلممِ الجوامع .
{ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } .
عطف على { وأطيعوا الله } فهو في معنى : وتوكلوا على الله ، فإن المؤمنين يتوكلون على الله لا على غيره وأنتم مؤمنون فتوكلوا عليه .
وتقدم المجرور لإِفادة الاختصاص ، أي أن المؤمنين لا يتوكلون إلا على الله .
وجيء في ذلك بصيغة أمر المؤمنين بالتوكل على الله دون غيره ربطاً على قلوبهم وتثبيتاً لنفوسهم كيلا يأسفوا من إعراض المشركين وما يصيبهم منهم وأن ذلك لن يضرهم .
فإن المؤمنين لا يعتزُّون بهم ولا يتقوون بأمثالهم ، لأن الله أمرهم أن لا يتوكلوا إلا عليه ، وفيه إيذان بأنهم يخالفون أمر الله وذلك يغيظ الكافرين .
والإِتيان باسم الجلالة في قوله : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } إظهار في مقام الإِضمار لتكون الجملة مستقلة فتسيرَ مَسرى المثَل ، ولذلك كان إظهار لفظ { المؤمنون } ولم يقل : وعلى الله فليتوكلوا ، ولما في { المؤمنون } من العموم الشامل للمخاطبين وغيرهم ليكون معنى التمثيل .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول جلّ ثناؤه: معبودكم أيها الناس معبود واحد لا تصلح العبادة لغيره ولا معبود لكم سواه.
"وَعَلى الله فَلْيَتَوَكّل المُؤمِنُون" يقول تعالى ذكره: وعلى الله أيها الناس فليتوكل المصدّقون بوحدانيته...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
التوكل هو تفويض الأمر إلى الله بأنه يتولاه على الحق فيه، وقد أمر الله بالتوكل عليه، فينبغي للمسلم أن يستشعر ذلك في سائر أحواله...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وعلى الله فليتوكل المؤمنون} تحريض للمؤمنين على مكافحة الكفار والصبر على دين الله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{الله} أي المحيط بجميع صفات الكمال {لا إله إلا هو} فهو القادر على الإقبال بهم ولا يقدر على ذلك غيره، فإليه اللجاء في كل دفع ونفع وهو المستعان في كل شأن فإياه فليرج في هدايتهم المهتدون {وعلى الله} أي الذي له الأمر كله لا على غيره...
{فليتوكل المؤمنون} أي يوجد التوكيل إيجاداً هو في غاية الظهور والثبات العريقون في هذا الوصف...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: فيلعتمدوا عليه في كل أمر نابهم، وفيما يريدون القيام به، فإنه لا يتيسر أمر من الأمور إلا بالله، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالاعتماد على الله، ولا يتم الاعتماد على الله، حتى يحسن العبد ظنه بربه، ويثق به في كفايته الأمر الذي اعتمد عليه به، وبحسب إيمان العبد يكون توكله، فكلما قوي الإيمان قوي التوكل...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
حقيقة التوحيد هي أساس التصور الإيماني كله. ومقتضاها أن يكون التوكل عليه وحده. فهذا هو أثر التصور الإيماني في القلوب. وبهذه الآية يدخل السياق في خطاب المؤمنين. فهي وصلة بين ما مضى من السورة وما يجيء...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا تذكير للمؤمنين بما يعلمونه. أي من آمن بأن الله لا إله إلا هو كان حقاً عليه أن يطيعه وأن لا يعبأ بما يصيبه في جانب طاعة الله من مصائب وأذى... وافتتاح الجملة باسم الجلالة إظهار في مقام الإضمار إذ لم يقُل هو لا إِله إلاّ هو لاستحضار عظمة الله تعالى بما يَحويه اسم الجلالة من معاني الكمال...
{وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون}...
وتقدم المجرور لإِفادة الاختصاص، أي أن المؤمنين لا يتوكلون إلا على الله...
والإِتيان باسم الجلالة في قوله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} إظهار في مقام الإِضمار لتكون الجملة مستقلة فتسيرَ مَسرى المثَل...