{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } ؟ أى : هو أمر عظيم ، وسجن مقيم ، وعذاب أليم .
ثم قد قال قائلون : هو تحت الأرض السابعة . . وقيل : بئر فى جهنم .
والصحيح أن " سجينا " مأخوذ من السَّجن ، وهو الضيق ، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق ، وكل ما تعالى منها اتسع . . ولما كان مصير الفجار إلى جهنم ، وهى أسفل سافلين .
قال - سبحانه - : { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ } وهو يجمع الضيق والسفول . .
أى : كلا ، ليس الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون من أ ، ه لا بعث ولا جزاء ، بل الحق أن البعث أمر واقع ، ماله من دافع ، وأن ما عمله هؤلاء الفجار من كفر ومن تطفيف فى الكيل والميزان ، لمكتوب فى صحائف أعمالهم ، ومسجل عليهم فى ديوان الشر الذى يوصلهم إلى قاع جهنم .
وقوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } تهويل وتفظيع لهذا الشئ الضيق الذى يؤدى إلى القذف بهم فى أعماق جهنم .
ثم يسأل سؤال الاستهوال المعهود في التعبير القرآني : ( وما أدراك ما سجين ? )فيلقي ظلال التفخيم ويشعر المخاطب أن الأمر أكبر من إدراكه ، وأضخم من أن يحيط به علمه . ولكنه بقوله : ( إن كتاب الفجار لفي سجين )يكون قد حدد له موضعا معينا ، وإن يكن مجهولا للإنسان . وهذا التحديد يزيد من يقين المخاطب عن طريق الإيحاء بوجود هذا الكتاب . وهذا هو الإيحاء المقصود من وراء ذكر هذه الحقيقة بهذا القدر ، دون زيادة .
أي : هو أمر عظيم ، وسجن مقيم وعذاب أليم .
ثم قد قال قائلون : هي تحت الأرض السابعة . وقد تقدم في حديث البراء بن عازب ، في حديثه الطويل : يقول الله عز وجل في روح الكافر : اكتبوا كتابه في سجين .
وسجين : هي تحت الأرض السابعة . وقيل : صخرة تحت السابعة خضراء . وقيل : بئر في جهنم .
وقد روى ابن جرير في ذلك حديثا غريبا منكرا لا يصح فقال : حدثنا إسحاق بن وهب الواسطي ، حدثنا مسعود بن موسى بن مُشكان الواسطي ، حدثنا نَصر بن خُزَيمة الواسطي ، عن شعيب بن صفوان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الفلق : جب في جهنم{[29844]} مغطى ، وأما سجين فمفتوح " {[29845]} .
والصحيح أن " سجينا " مأخوذ من السَّجن ، وهو الضيق ، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق ، وكل ما تعالى منها اتسع ، فإن الأفلاك السبعة كل واحد منها أوسع وأعلى من الذي دونه ، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها ، حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة . ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل السافلين ، كما قال تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [ التين ] : 5 ، 6 ] . وقال هاهنا : { كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } وهو يجمع الضيق والسفول ، كما قال : { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } [ الفرقان : 13 ] .
وقوله : وَما أدْرَاكَ ما سِجّينٌ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وأيّ شيء أدراك يا محمد ، أيّ شيء ذلك الكتاب ثم بين ذلك تعالى ذكره ، فقال : هُوَ كِتابٌ مَرْقُومٌ ، وعنى بالمرقوم : المكتوب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فِي كِتابٍ مَرْقُومٍ قال : كتاب مكتوب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما أدْرَاكَ ما سِجّينٌ كِتابٌ مَرْقومٌ قال : رقم لهم بشر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد ، في قوله : كِتابٌ مَرْقومٌ قال : المرقوم : المكتوب .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"وَما أدْرَاكَ ما سِجّينٌ "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأيّ شيء أدراك يا محمد، أيّ شيء ذلك الكتاب ثم بين ذلك تعالى ذكره، فقال: هُوَ "كِتابٌ مَرْقُومٌ"، وعنى بالمرقوم: المكتوب.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فهو تعظيم ذلك اليوم ووصفه بنهاية الشدة، أو على الامتنان على نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يعلم ذلك حتى أطلعه الله عليه. وهكذا تأويل قوله: {وما أدراك ما عليون} [الآية: 19]...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
تعظيم لأمر هذا السجين وتعجب منه، ويحتمل أن يكون تقرير استفهام، أي هذا مما لم يكن يعرفه قبل الوحي...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وما أدراك} أي جعلك دارياً وإن اجتهدت في ذلك {ما سجين} أي أنه بحيث لا تحتمل وصفه العقول...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{وما أدراك ما سجين} معترضة بين جملة: {إن كتاب الفجار لفي سجين} وجملة {كتاب مرقوم} وهو تهويل لأمر السجّين تهويل تفظيع لحال الواقعين فيه...