والظرف فى قوله : { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ . . } متعلق بلفظ { حَدِيثُ } السابق .
أى : هل بلغك حديثهم الواقع فى وقت دخولهم عليه . . . أو بمحذوف تقديره : اذكر ، أى : اذكر وقت أن دخلوا عليه { عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً } ، أى : فقالوا نسلم عليك سلاما .
{ قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } أى : قال إبراهيم فى جوابه عليهم : عليكم سلام ، أنتم قوم منكرون أى : غير معروفين لى قبل ذلك .
قال صاحب الكشاف : أنكرهم للسلام الذى هو علم الإسلام ، أو أراد أنهم ليسوا من معارفه ، أو من جنس الناس الذين عهدهم . . . أو رأى لهم حالا وشكلا خلاف حال الناس وشكلهم ، أو كان هذا سؤالا لهم ، كأنه قال : أنتم قوم منكرون فعرفونى من أنتم . .
وقيل : إن إبراهيم قد قال ذلك فى نفسه ، والتقدير : هؤلاء قوم منكرون ، لأنه لم يرهم قبل ذلك .
وقال إبراهيم فى جوابه عليهم { سَلاَمٌ } بالرفع ، لإفادة الدوام والثبات عن طريق الجملة الاسمية ، التى تدل على ذلك ، وللإشارة إلى أدبه معهم ، حيث رد على تحيتهم بأفضل منها .
وقوله : { قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ } : الرفع أقوى وأثبت من النصب ، فرده أفضل من التسليم ؛ ولهذا قال تعالى : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } [ النساء : 86 ] ، فالخليل اختار الأفضل .
وقوله : { قَوْمٌ مُنْكَرُونَ } : وذلك أن الملائكة وهم : جبريل وإسرافيل وميكائيل قدموا عليه في صور شبان حسان عليهم مهابة عظيمة ؛ ولهذا قال : { قَوْمٌ مُنْكَرُونَ } .
وقوله : إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ يقول : حين دخل ضيف إبراهيم عليه ، فقالوا له سلاما : أي أسلموا إسلاما ، قال سلام .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة ، قال : سَلامٌ بالألف بمعنى قال : إبراهيم لهم سلام عليكم . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة «سِلْمٌ » بغير ألف ، بمعنى ، قال : أنتم سلم .
وقوله : قَوْمٌ مُنْكَرُونَ يقول : قوم لا نعرفكم ، ورفع «قوم منكرون » باضمار أنتم .
{ إذ دخلوا عليه } ظرف لل { قال سلام } أي عليكم سلام عدل به إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى تكون تحيته أحسن من تحيتهم ، وقرئا مرفوعين وقرأ حمزة والكسائي " قال سلم " وقرئ منصوبا والمعنى واحد . { قوم منكرون } أي أنتم قوم منكرون ، وإنما أنكرهم لأنه ظن أنهم بنو آدم ولم يعرفهم ، أو لأن السلام لم يكن تحيتهم فإنه علم الإسلام وهو كالتعرف عنهم .
و : { سلاماً } منصوب على المصدر كأنهم قالوا : تسلم سلاماً ، أو سلمت سلاماً{[10604]} ، ويتجه فيه أن يعمل فيه { قالوا } على أن نجعل { سلاماً } بمنزلة قولاً . ويكون المعنى حينئذ أنهم قالوا تحية وقولاً معناه : { سلاماً } وهذا قول مجاهد .
وقوله : { سلام } مرتفع على خبر ابتداء . أي أمر { سلام } . أو واجب لكم { سلام } ، أو على الابتداء والخبر محذوف ، كأنه قال : سلام عليكم وإبراهيم عليه السلام قد حيا بأحسن لأن قولهم دعاء وقوله واجب قد تحصل لهم .
وقرأ ابن وثاب والنخعي وحمزة والكسائي وطلحة وابن جبير قال : «سِلْم » بكسر السين وسكون اللام . والمعنى نحن سلم وأنتم سلم .
وقوله : { قوم منكرون } معناه : لا نميزهم ولا عهد لنا بهم . وهذا أيضاً على تقدير : أنتم { قوم منكرون } وقال أبو العالية : أنكر سلامهم في تلك الأرض وفي ذلك الزمن .
ظرفُ { إذ دخلوا عليه } يتعلق ب { حديثُ } لما فيه من معنى الفعل ، أي خَبرهم حين دخلوا عليه .
وقوله : { فقالوا سلاماً قال سلام } تقدم نظيره في سورة هود . وقرأ الجمهور : { قال سلام } . وقرأه حمزة والكسائي { قال سِلْم } بكسر السين وسكون اللام .
وقوله : { قوم منكرون } من كلام إبراهيم . والظاهر أنه قاله خَفْتا إذ ليس من الإكرام أن يجاهرَ الزائر بذلك ، فالتقدير : هُم قوم منكرون .
والمنكر : الذي ينكره غيره ، أي لا يعرفه . وأطلق هنا على من ينكّر حاله ويظن أنه حال غيرُ معتاد ، أي يخشى أنه مضمِر سوء ، كما قال في سورة هود ( 70 ) { فلما رأى أيديهم لا تصِلُ إليه نَكرهم وأوجس منهم خِيفة } ومنه قول الأعشى :
وأنكرتني وما كان الذي نَكِرَتْ *** من الحوادث إلا الشيبَ والصَّلَعا