السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَقَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ} (25)

{ إذ } أي حديثهم حين { دخلوا عليه } أي دخول استعلاء مخالف لدخول بقية الضيوف ، وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الذال عند الدال والباقون بالإدغام .

تنبيه : اختلف في العامل في إذ على أربعة أوجه : أحدها : أنه حديث أي هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه . ثانيها : أنه منصوب بما في ضيف من معنى الفعل ، لأنه في الأصل مصدر ولذلك استوى فيه الواحد المذكر وغيره ، كأنه قيل : الذين أضافهم في وقت دخولهم عليه . ثالثها : أنه منصوب بالمكرمين إن أريد بإكرامهم أن إبراهيم عليه السلام أكرمهم بخدمته لهم كأنه تعالى يقول : أكرموا إذ دخلوا . رابعها : أنه منصوب بإضمار اذكر ، ولا يجوز نصبه بأتاك لاختلاف الزمانين .

فإن قيل : إنما أرسلوا إلى قوم لوط فما الحكمة في مجيئهم إلى إبراهيم عليه السلام ؟ أجيب من وجهين : أحدهما : أن إبراهيم عليه السلام شيخ المرسلين ولوط من قومه ، وعادة الملك إذا أرسل رسولاً لملك وفي طريقه من هو أكبر منه يقول له : اعبر على فلان الملك وأخبره برسالتك وخذ فيها رأيه . ثانيهما : أن إبراهيم عليه السلام كان شديد الشفقة حليماً فكان يشق عليه إهلاك أمّة عظيمة ، وكان ذلك مما يحزن إبراهيم عليه السلام شفقة منه على العباد ، فقال لهم : بشروه بغلام يخرج من صلبه أضعاف من هلك ويكون من صلبه فروع الأنبياء عليهم السلام { فقالوا سلاماً } أي هذا اللفظ . { قال سلامٌ } أي : هذا اللفظ ، والمشهور أنّ السلام الأوّل المراد به التحية أن نسلم سلاماً ، وقيل : إن سلاماً معناه حسناً ؛ لأنه كلام سلم به المتكلم من أن يلغو ويأثم ، فكأنهم قالوا قولاً حسناً سليماً من الإثم فيكون مفعولاً به ، لأنه في معنى القول ، وأمّا رفع الثاني فالمشهور أنه التحية فهو مبتدأ وخبره محذوف أي عليكم ، وقيل : إنه السلامة ، أي : أمري سلام لأني لا أعرفكم ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر السين وسكون اللام والباقون بفتح السين واللام وألف بعدها والمعنى واحد .

وقوله تعالى : { قوم منكرون } أي غرباء لا أعرفهم قال ذلك في نفسه كما قاله ابن عباس خبر مبتدأ مقدّر أي هؤلاء . وقيل : إنما أنكر أمرهم ؛ لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان وقال أبو العالية : أنكر إسلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض .