ثم بين - سبحانه - حالهم يوم القيامة فقال : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } .
والدع : الدفع بعنف وشدة . يقال : دَعَّ فلان فلانا دَعَّا ، إذا دفعه بجفوة وغلظة ، ومنه قوله - تعالى - : { أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم } أى : اذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ ، يوم يدفع هؤلاء المكذبون إلى النار دفعا قويا . لا رحمة معه ، ولا شفقة فيه ، ثم يقال لهم بعد هذا الطرد الشديد : هذه هى النار التى كنتم بها تكذبون فى الدنيا ، ادخلوها فبئس مئوى المتكبرين .
وقوله : يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعّا يقول تعالى ذكره : فويل للمكذّبين يوم يُدَعّونَ .
وقوله : يَوْمَ يُدَعّونَ ترجمة عن قوله : يَوْمَئِذٍ وإبدال منه . وعنى بقوله : يُدَعّونَ يدفعون بإرهاق وإزعاج ، يقال منه : دَعَعْت في قفاه : إذا دفعت فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس يَوْمَ يُدَعّونَ إلَى نارِ جَهَنّمَ دَعّا قال : يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعّا يقول : يدفعون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعّا قال : يدفعون فيها دفعا .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنم دَعّا يقول : يدفعون إلى نار جهنم دفعا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ قال : يُدفعون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعا قال : يزعجون إليها إزعاجا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة بنحوه .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يَوْمَ يُدَعّونَ إلَى نارِ جَهَنّمَ دَعّا الدعّ : الدفع والإرهاق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : يَوْمَ يَدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعّا قال : يُدفعون دفعا ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : فَذَلِكَ الذِي يَدُعّ اليَتِيمَ قال : يدفعه ، ويغلظ عليه .
و : { يوم } الثاني بدل من : { يومئذ } و : { يدعون } قال ابن عباس معناه : يدفعون في أعناقهم بشدة وإهانة وتعتعة ، ومنه قوله تعالى : { يدع اليتيم }{[10639]} [ الماعون : 2 ] وفي الكلام محذوف مختصر تقديره : يقال لهم هذه النار ، وإخبارهم بهذا على جهة التوبيخ والتقريع .
{ يوم يدعون } بدل من { يوم تمور السماء موراً } وهو بدل اشتمال .
والدعّ : الدفع العنيف ، وذلك إهانة لهم وغلظة عليهم ، أي يوم يساقون إلى نار جهنم سَوقاً بدفع ، وفيه تمثيل حالهم بأنهم خائفون متقهقرون فتدفعهم الملائكة الموكلون بإزجائهم إلى النار .
وتأكيد { يدعون } ب { دعّاً } لتوصل إلى إفادة تعظيمه بتنكيره .