مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَوۡمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} (13)

ثم قال تعالى : { يوم يدعون إلى نار جهنم دعا } وفيه مباحث لفظية ومعنوية . أما اللفظية ففيها مسائل :

المسألة الأولى : { يوم } منصوب بماذا ؟ نقول الظاهر أنه منصوب بما بعده وهو ما يدل عليه قوله تعالى : { هذه النار } تقديره يوم يدعون يقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون ، ويحتمل غير هذا وهو أن يكون يوم بدلا عن يوم في يومئذ تقريره فويل يومئذ للمكذبين ويوم يوعدون أي المكذبون وذلك أن قوله { يومئذ } معناه يوم يقع العذاب وذلك اليوم هو { يوم يدعون } فيه إلى النار .

المسألة الثانية : قوله { يدعون إلى النار } يدل على هول نار جهنم ، لأن خزنتها لا يقربون منها وإنما يدفعون أهلها إليها من بعيد ويلقونهم فيها وهم لا يقربونها .

المسألة الثالثة : { دعا } مصدر ، وقد ذكرت فائدة ذكر المصادر وهي الإيذان بأن الدع دع معتبر يقال له دع ولا يقال فيه ليس بدع ، كما يقول القائل في الضرب الخفيف مستحقرا له : هذا ليس بضرب والعدو المهين : هذا ليس بعدو في غير المصادر ، والرجل الحقير ليس برجل إلا على قراءة من قرأ { يدعون إلى نار جهنم دعاء } فإن دعاء حينئذ يكون منصوبا على الحال تقديره يقال لهم هلموا إلى النار مدعوين إليها .

أما المعنوية فنقول قوله تعالى : { يوم يدعون إلى نار جهنم } يدل على أن خزنتها يقذفونهم فيها وهم بعداء عنها ، وقال تعالى : { يوم يسحبون في النار } نقول الجواب عنه من وجوه ( أحدها ) أن الملائكة يسحبونهم في النار ثم إذا قربوا من نار مخصوصة هي نار جهنم يقذفونهم فيها من بعيد فيكون السحب في النار والدفع في نار أشد وأقوى ، ويدل عليه قوله تعالى : { يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون } أي يكون لهم سحب في حموة النار . ثم بعد ذلك يكون لهم إدخال ( الثاني ) جاز أن يكون في كل زمان يتولى أمرهم ملائكة ، فإلى النار يدفعهم ملك وفي النار يسحبهم آخر .

الثالث : جاز أن يكون السحب بسلاسل يسحبون في النار والساحب خارج النار .

الرابع : يحتمل أن يكون الملائكة يدفعون أهل النار إلى النار إهانة واستخفافا بهم ، ثم يدخلون معهم النار ويسحبونهم فيها .