والاستفهام فى قوله - تعالى - بعد ذلك : { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ . يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً . أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } للإِنكار والتوبيخ .
أى : أيظن هذا الإِنسان الذى هو فى تعب ومشقة طول حياته ، أنه قد بلغ من القوة والمنعة . . بحيث لا يقدر عليه أحد .
إن كان يتوهم ذلك ، فهو فى ضلال مبين ، لأن الله - تعالى - الذى خلقه ، قادر على إهلاكه فى لمح البصر ، وقادر على أن يسلط عليه من يذله ، ويقضى عليه .
ويدخل فى هذا التوبيخ دخولا أوليا ، أولئك المشركون الذين اغتروا بقوتهم ، فآذوا النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه إيذاء شديداً .
وبعد تقرير هذه الحقيقة عن طبيعة الحياة الإنسانية يناقش بعض دعاوى " الإنسان " وتصوراته التي تشي بها تصرفاته :
( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ? يقول : أهلكت مالا لبدا . أيحسب أن لم يره أحد ? ) .
إن هذا " الإنسان " المخلوق في كبد ، الذي لا يخلص من عناء الكدح والكد ، لينسى حقيقة حاله وينخدع بما يعطيه خالقه من أطراف القوة والقدرة والوجدان والمتاع ، فيتصرف تصرف الذي لا يحسب أنه مأخوذ بعمله ، ولا يتوقع أن يقدر عليه قادر فيحاسبه . . فيطغى ويبطش ويسلب وينهب ، ويجمع ويكثر ، ويفسق ويفجر ، دون أن يخشى ودون أن يتحرج . . وهذه هي صفة الإنسان الذي يعرى قلبه من الإيمان .
وقوله : { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } قال الحسن البصري : يعني أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يأخذ ماله .
وقال قتادة : { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } قال : ابن آدم يظن أن لن يُسأل عن هذا المال : من أين اكتسبه ؟ وأين أنفقه ؟
وقال السدي : { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } قال : الله عز وجل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني بالأحد الله عز وجل ، يعني نفسه ، أيحسب هذا الإنسان أن لن يقدر الله عز وجل على أن يذهب بماله ، وإن أحرزه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ذُكر أن ذلك نزل في رجل بعينه من بني جُمح ، كان يُدعى أبا الأشدّين ، وكان شديدا ، فقال جلّ ثناؤه : أيحسب هذا القويّ بجَلَده وقوّته ، أن لن يقهره أحد ويغلبه ، فالله غالبه وقاهره . ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدها : أيحسب الإنسان أن لن يقدر عليه الله أن يبعثه بعد الموت ، قاله السدي . الثاني : أيحسب الإنسان أن لن يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وأين أنفقه قاله قتادة .
الثالث : أيحسب أن لن يقدر عليه أحد بأخذ ماله ، قاله الحسن .
ويحتمل رابعا : أيحسب أن لن يذله أحد ، لأن القدرة عليه ذل له . ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه أيظن هذا الانسان أن لن يقدر على عقابه أحد إذا عصى الله تعالى وارتكب معاصيه فبئس الظن ذلك . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والضمير في { أَيَحْسَبُ } لبعض صناديد قريش الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكابد منهم ما يكابد . والمعنى : أيظن هذا الصنديد القوي في قومه المتضعف للمؤمنين : أن لن تقوم قيامة ، ولن يقدر على الانتقام منه وعلى مكافأته بما هو عليه ، ثم ذكر ما يقوله في ذلك اليوم . ...
اعلم أنا إن فسرنا الكبد بالشدة في القوة ، فالمعنى أيحسب ذلك الإنسان الشديد أنه لشدته لا يقدر عليه أحد ، وإن فسرنا المحنة والبلاء كان المعنى تسهيل ذلك على القلب ، كأنه يقول : وهب أن الإنسان كان في النعمة والقدرة ، أفيظن أنه في تلك الحالة لا يقدر عليه أحد ؟ ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ أيحسب } أي هذا الإنسان لضعف عقله مع ما هو فيه من أنواع الشدائد { أن لن يقدر } ولما أكد بالفعلية وخصوص هذا النافي قدم الجار تأكيداً بما يفيد من الاهتمام بالإنسان فقال : { عليه } أي خاصة { أحد } أي من أهل الأرض أو السماء فيغلبه حتى أنه يعاند خالقه مع ما ينظر من اقتداره على أمثاله بنفسه وبمن شاء من جنوده فيعادي رسله عليهم الصلاة والسلام ويجحد آياته .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ? يقول : أهلكت مالا لبدا . أيحسب أن لم يره أحد ? ) . إن هذا " الإنسان " المخلوق في كبد ، الذي لا يخلص من عناء الكدح والكد ، لينسى حقيقة حاله وينخدع بما يعطيه خالقه من أطراف القوة والقدرة والوجدان والمتاع ، فيتصرف تصرف الذي لا يحسب أنه مأخوذ بعمله ، ولا يتوقع أن يقدر عليه قادر فيحاسبه . . فيطغى ويبطش ويسلب وينهب ، ويجمع ويكثر ، ويفسق ويفجر ، دون أن يخشى ودون أن يتحرج . . وهذه هي صفة الإنسان الذي يعرى قلبه من الإيمان . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ويحتمل أنّ المقصود هم الأثرياء الذين يتصورون أنّ لا أحد بإمكانه سلب ثروتهم منهم . . . وقيل أنّ المراد من الآية الأشخاص الذين يتصورون بأنّه لا أحد يحاسبهم على أعمالهم . ولكن مفهوم الآية عام بإمكانه أن يستوعب جميع هذه التّفاسير . ...