وقوله : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً . . . } بدل من قوله : { يَوْمَهُمُ } . أى : اتركهم - أيها الرسول الكريم - ولا تكترث بهم . وامضى فى دعوتك إلى الحق ، فعما قريب سيأتيهم اليوم الذى لن ينفعهم فيه مكرهم السيِّىء ، وكيدهم القبيح . . .
{ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } فيه من عقابنا من أى جهة من الجهات ، أو من أى شخص من الأشخاص .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنّ لِلّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شيْئَا يوم القيامة ، حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ، ثم بين عن ذلك اليوم أيّ يوم هو ، فقال : يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ، يعني : مَكرهم أنه لا يدفع عنهم عن عذاب الله شيئا ، فاليوم الثاني ترجمة عن الأوّل .
وقوله : وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يقول : ولا هم ينصرهم ناصر ، فيستقيد لهم ممن عذّبهم وعاقبهم .
و{ يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً } بدل من { يومهم } [ الطور : 45 ] وفتحته فتحة إعراب لأنه أضيف إلى مُعرب .
والإِغناء : جعل الغير غنياً ، أي غير محتاج إلى ما تقوم به حاجياته ، وإذا قيل : أغنى عنه . كان معناه : أنه قام مقامه في دفع حاجة كان حقه أن يقوم بها ، ويتوسع فيه بحذف مفعوله لظهوره من المقام .
والمراد هنا لا يغني عنهم شيئاً عن العذاب المفهوم من إضافة { يوم } إلى ضميرهم ومن الصلة في قوله : { الذي فيه يصعقون } .
و { كيدهم } من إضافة المصدر إلى فاعله ، أي ما يكيدون به وهو المشار إليه بقوله : { أم يريدون كيداً } [ الطور : 42 ] ، أي لا يستطيعون كيداً يومئذٍ كما كانوا في الدنيا .
فالمعنى : لا كيد لهم فيغني عنهم على طريقة قول امرىء القيس :
على لاَحِبٍ لا يُهتدَى بمناره *** أي لا منار له فيهتدي به .
وهذا ينفي عنهم التخلص بوسائل من فعلهم ، وعطف عليه { ولا هم ينصرون } لنفي أن يتخلصوا من العذاب بفعل من يخلصهم وينصرهم فانتفى نوعا الوسائل المنجية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عن ذلك اليوم، فقال: {يوم لا يغني عنهم} في الآخرة {كيدهم شيئا} يعني مكرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم شيئا من العذاب {ولا هم ينصرون} يعني ولا هم يمنعون من العذاب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني جلّ ثناؤه بقوله:"يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شيْئَا "يوم القيامة، حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون، ثم بين عن ذلك اليوم أيّ يوم هو، فقال: يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا، يعني: مَكرهم أنه لا يدفع عنهم عن عذاب الله شيئا، فاليوم الثاني ترجمة عن الأوّل.
وقوله: "وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ" يقول: ولا هم ينصرهم ناصر، فيستقيد لهم ممن عذّبهم وعاقبهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{يوم لا يُغني عنهم كيدهم شيئا} برسول الله صلى الله عليه وسلم عما ينزل بهم يومئذ جزاء على كيدهم برسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحتمل ألا تُغنيهم من عذاب الله تعالى الأصنام التي عبدوها رجاء أن تشفع لهم، أو تقرّبهم إلى الله زلفى كما أخبر عز وجل والله الموفّق...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومعنى "لا يغني عنهم " أي لا يصرف عنهم شيئا من الضرر الذي يقع إلى نفع يصير بمنزلة الغنى لهم.
قد ذكرنا أن معنى الكيد هو فعل يسوء من نزل به وإن حسن ممن صدر منه...
{لا يغني عنهم} أي لا يدفع عنهم الضرر، ولا شك أن قوله لا يدفع عنهم ضررا أبلغ من قوله لا ينفعهم نفعا وإنما في المؤمن لو قال يوم يغني عنهم صدقهم لما فهم منه نفعهم...
{ولا هم ينصرون}، أي لا نصير لهم كما لا شفيع، ودفع العذاب، إما بشفاعة شفيع أو بنصر ناصر...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ولا هم ينصرون} أي لا يتجدد لهم نصر من أحد ما في ساعة ما.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وهذا ينفي عنهم التخلص بوسائل من فعلهم، وعطف عليه {ولا هم ينصرون} لنفي أن يتخلصوا من العذاب بفعل من يخلصهم وينصرهم فانتفى نوعا الوسائل المنجية.