{ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ } فإذا هي حيات تسعى ، وسحروا بذلك أعين الناس ، { وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } فاستعانوا بعزة عبد ضعيف ، عاجز من كل وجه ، إلا أنه قد تجبر ، وحصل له صورة ملك وجنود ، فغرتهم تلك الأبهة ، ولم تنفذ بصائرهم إلى حقيقة الأمر ، أو أن هذا قسم منهم بعزة فرعون والمقسم عليه ، أنهم غالبون .
وأسلوب الآية الكريمة يشعر بعدم مبالاة موسى - عليه السلام - بهم أو بتلك الحشود التى من ورائهم ، فهو مطمئن إلى نصر الله - سبحانه - له .
{ فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ } أى : عند إلقائهم لتلك الحبال والعصى { بِعِزَّةِ فِرْعَونَ } أى : بقوته وجبروته وسطوته { إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون } لا موسى - عليه السلام - ولم تفصل السورة هنا ما فصلته سورة الأعراف من أنهم حين ألقوا حبالهم وعصيهم { سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } أو ما وضحته سورة طه من أنهم حين ألقوا حبالهم : { أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى } ولعل السر فى عدم التفصيل هنا ، أن السورة الكريمة تسوق الأحداث متتابعة تتابعا سريعا ، تربط معها قلب القارىء وعقله بما ستسفر عنه هذه الأحداث من ظهر الحق ، ومن دحور الباطل .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَآءَ السّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنّ لَنَا لأجْراً إِن كُنّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنّكُمْ إِذاً لّمِنَ الْمُقَرّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مّوسَىَ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مّلْقُونَ * فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزّةِ فِرْعَونَ إِنّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فَلَمّا جاءَ السّحَرَةُ فرعون لوعد لموسى وموعد فرعون قالُوا لِفرْعَوْنَ أئِنّ لَنا لأَجْرا سحرنا قبلك إنْ كُنّا نَحْنُ الغالِبِينَ موسى ، قالَ فرعون لهم نَعَمْ لكم الأجر على ذلك وَإنّكُمْ لَمِنَ المُقَرّبِينَ منا . فقالوا عند ذلك لموسى : إما أن تلقى ، وإما أن نكون نحن الملقين ، وترك ذكر قيلهم ذلك لدلالة خبر الله عنهم أنهم قال لهم موسى : ألقوا ما أنتم ملقون ، على أن ذلك معناه ف قالَ لَهُمْ مُوسَى ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ من حبالكم وعصيكم فَأَلَقُوا حِبالَهُمْ وَعِصِيّهُمْ من أيديهم وَقالُوا بعزّةِ فرْعَوْنَ يقول : أقسموا بقوّة فرعون وشدّة سلطانه ، ومنعة مملكته إنّا لَنَحْنُ الغالِبُونَ موسى .
قرنت حكاية قَول السحرة بالواو خلافاً للحكايات التي سبقتها لأن هذا قول لم يقصد به المحاورة وإنما هو قول ابتدؤا به عند الشروع في السحر استعانة وتيمّناً بعزة فرعون . فالباء في قولهم { بعزة فرعون } كالباء في « بسم الله » أرادوا التيمن بقدرة فرعون ، قاله ابن عطية .
وقيل الباء للقسم : أقسموا بعزة فرعون على أنهم يغلبون ثقة منهم باعتقاد ضلالهم أن إرادة فرعون لا يغلبها أحد لأنها إرادة آلهتهم . وهذا الذي نحاه المفسرون ، والوجه الأول أحسن لأن الجملتين على مقتضاه تفيدان فائدتين .
والعزّة : القدرة ، وتقدم في قوله { أخذته العزّة بالإثم } في سورة البقرة ( 206 ) .
وجملة : إنا لنحن الغالبون } استئناف إنشاء عن قولهم : { بعزة فرعون } : كأن السامع وهو موسى أو غيره يقول في نفسه : ماذا يُؤثر قولهم { بعزة فرعون } ؟ فيقولون : { إنا لنحن الغالبون } ، وأرادوا بذلك إلقاء الخوف في نفس موسى ليكون ما سيلقيه في نوبته عن خور نفس لأنهم يعلمون أن العزيمة من أكبر أسباب نجاح السحر وتأثيره على الناظرين . وقد أفادت جملة : { إنا لنحن الغالبون } بما فيها من المؤكدات مُفاد القسم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.