{ 76 ْ } { فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا ْ }
الذي هو أكبر أنواع الحق وأعظمها ، وهو من عند الله الذي خضعت لعظمته الرقاب ، وهو رب العالمين ، المربي جميع خلقه بالنعم .
فلما جاءهم الحق من عند الله على يد موسى ، ردوه فلم يقبلوه ، و { قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ ْ } لم يكفهم - قبحهم الله - إعراضهم ولا ردهم إياه ، حتى جعلوه أبطل الباطل ، وهو السحر : الذي حقيقته التمويه ، بل جعلوه سحرًا مبينًا ، ظاهرًا ، وهو الحق المبين .
ولهذا { قَالَ ْ } لهم { مُوسَى ْ } - موبخا لهم عن ردهم الحق ، الذي لا يرده إلا أظلم الناس : - { أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ْ }
ثم بين - سبحانه - ما تفوهوا به من أباطيل عندما جاءهم موسى بدعوته فقال : { فَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا قالوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } .
أى : فلما وصل إليهم الحق الذي جاءهم به موسى - عليه السلام - من عندنا لا من غيرنا { قالوا } على سبيل العناد والحقد والغرور { إِنَّ هذا } الذي جئت به يا موسى { لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } أى : لسحر واضح ظاهر لا يحتاج إلى تأمل أو تفكير .
والتعبير بقوله { جَآءَهُمُ } يفيد أن الحق قد وصل إليهم بدون تعب منهم ، فكان من الواجب عليهم - لو كانوا يعقلون - أن يتقبلوه بسرور واقتناع .
وفى قوله { مِنْ عِندِنَا } تصوير لشناعة الجريمة التي ارتكبوها في جانب الحق ، الذي جاءهم من عند الله - تعالى - لا من عند غيره .
والمراد بالحق هنا : الآيات والمعجزات التي جاهءم بها موسى - عليه السلام - لتكون دليلا على صدقه فيما يبلغه عن ربه .
وقولهم - كما حكى القرآن عنهم - { إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } بالقسم المؤكد : يدل على تبجحهم الذميم ، وكذبهم الأثيم ، حيث وفوا الحق الذي لا باطل معه بأنه سحر واضح ، وهكذا عندما تقسو القلوب وتفسق النفوس ، تتحول الحقائق في زعمها إلى أكاذيب وأباطيل .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَآءَهُمُ الْحَقّ مِنْ عِندِنَا قَالُوَاْ إِنّ هََذَا لَسِحْرٌ مّبِينٌ * قَالَ مُوسَىَ أَتقُولُونَ لِلْحَقّ لَمّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هََذَا وَلاَ يُفْلِحُ السّاحِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فَلَمّا جاءَهُم الحَقّ مِنْ عِنْدِنا يعني : فلما جاءهم بيان ما دعاهم إليه موسى وهارون ، وذلك الحجج التي جاءهم بها ، وهي الحقّ الذي جاءهم من عند الله قالُوا إنّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ يعنون : أنه يبين لمن رآه وعاينه أنه سحر لا حقيقة له . قالَ مُوسَى لهم : أتَقُولُونَ للْحَقّ لَمَا جَاءكُمْ من عند الله : أسحْرُ هَذَا ؟ .
واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله : أسِحْرٌ هَذَا ، فقال بعض نحويي البصرة : أدخلت فيه على الحكاية لقولهم لأنهم قالوا : أسحر هذا ؟ فقال : أتقولون : أسحر هذا ؟ وقال بعض نحويي الكوفة : إنهم قالوا هذا سحر ، ولم يقولوه بالألف ، لأن أكثر ما جاء بغير ألف . قال : فيقال : فلم أدخلت الألف ؟ فيقال : قد يجوز أن تكون من قيلهم وهم يعلمون أنه سحر ، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته : أحقّ هذا ؟ وقد علم أنه حقّ . قال : قد يجوز أن تكون على التعجب منهم : أسحر هذا ، ما أعظمه
وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي أن يكون المقول محذوفا ، ويكون قوله : أسِحْرٌ هَذَا من قيل موسى منكرا على فرعون وملئه قولهم للحقّ لما جاءهم سحر ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قال موسى لهم : أتَقُولُونَ للحَقّ لما جاءَكُمْ وهي الاَيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه ، سحر ، أسحر هذا الحقّ الذي ترونه ؟ فيكون السحر الأوّل محذوفا اكتفاء بدلالة قول موسى أسِحْرٌ هَذَا على أنه مراد في الكلام ، كما قال ذو الرمّة :
فَلَمّا لَبِسْنَ اللّيْلَ أوْ حِينَ نَصّبَتْ *** لهُ من خَذَا آذَانها وَهْوَ جانِحُ
يريد : «أو حين أقبل » ، ثم حذف اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، وكما قال جلّ ثناؤه : فإذَا جاءَ وَعْد الاَخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ والمعنى : بعثناهم ليسوؤا وجوهكم ، فترك ذلك اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، في أشباه لما ذكرنا كثيرة يُتعب إحصاؤها . وقوله : ولا يُفْلِحُ السّاحِرُونَ يقول : ولا ينجح الساحرون ولا يبقون .
يريد ب { الحق } آيتي العصا واليد ، ويدل على ذلك قولهم عندهما : هذا سحر ولم يقولوا ذلك إلا عندهما ولا تعاطوا إلا مقاومة العصا فهي معجزة موسى عليه السلام التي وقع فيها عجز المعارض ، وقرأ جمهور الناس : «لسحر مبين » وقرأ سعيد بن جبير والأعمش : «لساحر مبين »{[6186]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.