روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُوٓاْ إِنَّ هَٰذَا لَسِحۡرٞ مُّبِينٞ} (76)

{ فَلَمَّا جَاءهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا } الفاء فصيحة أيضاً معربة عما صرح به في مواضع أخر كأنه قيل : قال موسى : قد جئتكم ببينة من ربكم إلى قوله تعالى : { فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء للناظرين } [ الأعراف : 107 108 ] فلما جاءهم الحق { قَالُواْ } من فرط عنادهم وعتوهم مع تناهي عجزهم :

{ إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } أي ظاهر كونه سحرا أو واضح في بابه فائق فيما بين أضرابه فمبين من أبان بمعنى ظهر واتضح لا بمعنى أظهر وأوضح كما هو أحد معنييه ، والإشارة إلى الحق الذي جاءهم ، والمراد به كما قال غير واحد الآيات ، وقد أقيم مقام الضمير للإشارة إلى ظهور حقيته عند كل أحد ، ونسبة المجيء إليه على سبيل الاستعارة تشير أيضاً إلى غاية ظهوره وشدة سطوعه بحيث لا يخفى على من له أدنى مسكة ، ومن هنا قيل في المعنى : فلما جاءهم الحق من عندنا وعرفوه قالوا الخ ، فالاعتراض عليه بأنه لا دلالة في الكلام على هذه المعرفة وإنما تعلم من موضع آخر كقوله سبحانه : { وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] من قلة المعرفة لظهور دلالة ما علمت ، وكذا ما قالوا بناء على ما قيل من دلالته على الاعتراف وتناهى العجز عليها ، وقرىء { لساحر } وعنوا به موسى عليه السلام لأنه الذي ظهر على يده ما أعجزهم .