والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَيَطْمَعُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } للنفى والإِنكار .
أى : أيطمع كل واحد من هؤلاء الكافرين أن يدخل الجنة التى هى محل نعيمنا وكرامتنا بدون إيمان صادق ، وبدون عمل نافع . . ؟
وقوله - سبحانه - { كَلاَّ } ردع لهم وزجر عن هذا الطمع ، أى : كلا ليس الأمر كما يزعمون من أنهم سيدخلون الجنة قبل المؤمنين أو معهم بعدهم . . وإنما هم سيكون مأواهم جهنم وبئس المصير .
وقال - سبحانه - { أَيَطْمَعُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ } ولم يقل : أيطمعون أن يدخلوا الجنة ، للإِشعار بأن كل واحد من هؤلاء الكافرين كان طامعا فى دخولها ، لاستيلاء الغرور والجهالة على قلبه .
وجملة { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } تأكيد لهذا الردع والزجر ، وتهوين من شأنهم ، وإبطال لغرورهم ، وتنكيس لخيلائهم بأسلوب بديع مهذب . . لأنه مما لا شك فيه أنهم يعلمون أنهم قد خلقوا من ماء مهين ، ومن كان كذلك فلا يليق به - متى كان عاقلا - أن يغتر أو يتطاول .
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : ويجوز أن يراد بقوله : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } أى : من النطفة المذرة ، وهى منصبهم الذى لا منصب أوضع منه . ولذلك أبهم وأخفى : إشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره ، فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم ، ويقولون : لندخلن الجنة قبلهم .
وقيل : معناه إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بنى آدم كلهم ، ومن حكمنا أن لا يدخل أحد الجنة ، إلا بالإِيمان والعمل الصالح ، فكيف يطمع فى دخولها من ليس له إيمان وعمل .
وجملة { أيطمع كل امرىء منهم أن يُدخل جنة نعيم } بدل اشتمال عن جملة { فما للذين كفروا قِبلك مهطعين } الآية ، لأنّ التفافهم حول النبي صلى الله عليه وسلم شأنه أن يكون لطلب الهدى والنجاة فشبه حالهم بحال طالبي النجاة والهدى فأُورد استفهام عليه .
وحكى المفسرون أن المشركين قالوا مستهزئين : نحن ندخل الجنة قبل المسلمين ، فجاز أن يكون الاستفهام إنكاراً لتظاهرهم بالطمع في الجنة بحمل استهزائهم على خلاف مرادهم على طريقة الأسلوب الحكيم ، أو بالتعبير بفعل { يَطمع } عن التظاهر بالطمع كما في قوله تعالى : { يحذر المنافقون أن تُنزل عليهم سُورة تنبئهم بما في قلوبهم } [ التوبة : 64 ] أي يتظاهرون بأنهم يحذرون .
وأُسند الطمع إلى { كل امرىء منهم } دون أن يقال : أيطمعون أن يدخلوا الجنة ، تصويراً لحالهم بأنها حال جماعة يريد كل واحد منهم أن يدخل الجنة لتساويهم ، يرون أنفسهم سواء في ذلك ، ففي قوله : { كل امرىء منهم } تقوية التهكم بهم .
ثم بني على التهكم ما يبطل ما فرض لحالهم بما بني عليه التمثيل التهكمي بكلمة الردع وهي { كلا } أي لا يكون ذلك . وذلك انتقال من المجاز إلى الحقيقة ومن التهكم بهم إلى توبيخهم دفعاً لتوهم من يتوهم أن الكلام السابق لم يكن تهكماً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.