ثم ينتقل من براءته من شركهم ، إلى تحديثهم واطمئنان فيقول : { فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } .
أى : لقد أعلنت أمامكم بكل قوة ووضوح أنى برئ من شرككم ، وها أنذا فى مواجهتكم ، فانضموا إلى آلهتكم وحاربونى بما شئتم من ألوان المحاربة والأذى بدون تريث أو إمهال ، فإنى لن أكف علن الجهر بدعوتى ، ولن تراجع عن احتقار الباطل الذى أنتم عليه .
وهذا - كما يقول صاحب الكشاف - من أعظم الآيات ، أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشا إلى إراقة دمه ، يرمونه عن قوس واحدة وذلك لثقته بربه ، وأنه يعصمه منهم ، فلا تنشب فيه مخالبهم .
{ إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } يقولون : ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبَل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها { قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا } [ أي أنتم أيضا ]{[14685]} { أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ } {[14686]} . يقول : إني بريء من جميع الأنداد والأصنام ، { فَكِيدُونِي جَمِيعًا } أي : أنتم وآلهتكم إن كانت حقا ، [ ف ذروها تكيدني ]{[14687]} ، { ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ } أي : طرفة عين [ واحدة ]{[14688]} .
{ من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تُنظِرون } أجاب به عن مقالتهم الحمقاء بأن أشهد الله تعالى على براءته من آلهتهم وفراغه عن إضرارهم تأكيدا لذلك تثبيتا له ، وأمرهم بأن يشهدوا عليه استهانة بهم ، وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير إنظار حتى إذا اجتهدوا فيه ورأوا أنهم عجزوا عن آخرهم وهم الأقوياء الأشداء أن يضروه لم يبق لهم شبهة أن آلهتهم التي هي جماد لا يضر ولا ينفع لا تتمكن من إضراره انتقاما منه ، وهذا من جملة معجزاته فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة الفتاك العطاش إلى إراقة دمه بهذا الكلام ليس إلا لثقته بالله وتثبطهم عن إضراره ليس إلا بعصمته إياه ، ولذلك عقبه بقوله : { إني توكلت على الله ربي وربكم } .
ما صدق الموصول الأصنام ، كما دل عليه ضمير الجمع المؤكّدُ في قوله : { فكيدوني جميعاً } . ولما كانت البراءة من الشركاء تقتضي اعتقاد عجزها عن إلحاق إضرار به فرع على البراءة جملة { فكيدوني جميعاً } . وجعل الخطاب لقومه لئلا يكون خطابه لما لا يعقل ولا يسمع ، فأمر قومه بأن يكيدوه . وأدخل في ضمير الكائدين أصنامهم مجاراة لاعتقادهم واستقصاء لتعجيزهم ، أي أنتم وأصنامكم ، كما دل عليه التفريع على البراءة من أصنامهم .
والأمر ب ( كيدوني ) مستعمل في الإباحة كناية عن التعجيز بالنسبة للأصنام وبالنسبة لقومه ، كقوله تعالى : { فإن كان لكم كيدٌ فكيدون } [ المرسلات : 39 ] . وهذا إبطال لقولهم : { إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } .
و { ثم } للتراخي الرتبيّ ؛ تحدّاهم بأن يكيدوه ثم ارتقى في رتبة التعجيز والاحتقار فنهاهم عن التأخير بكيدهم إياه ، وذلك نهاية الاستخفاف بأصنامهم وبهم وكناية عن كونهم لا يصلون إلى ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.