{ قَالَ إِنِى أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنّى * بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ } أي مما أنتم تجعلونه شريكاً وهو سبحانه لم يجعله شريكاً ولم ينزل به سلطاناً فما موصولة ، و { مِن دُونِهِ } متعلق بتشركون لا حال من فاعله أي تشركون مجاوزين الله تعالى في هذا الحكم إذ لا فائدة في التقييد به ، وجوز أن تكون مصدرية أيضاً أي من إشراككم ، وقد جوز كلا الاحتمالين الزمشري فقال : أي من إشراككم آلهة من دونه أو مما تشركونه آلهة من دونه وأمر تعلق الجار فيهما واح ، وتقدير آلهة لإيضاح المعنى والإشارة إلى أن المفعول مراد لسوق الكلام ولا يصلح أن يكون الظرف صفة له على الوجهين لأن بيانه حاصلهما بنحو ما ذكرناه في بيان حاصل الأول إنما يستقيم إذا تعلق بالفعل المذكور وليس المعنى على آلهة غير الله على ذلك التفسير ، وللطيبي ما يخالف ذلك وليس بذاك ، { وَإِنّى * بَرِىء } [ هود : 54 ] متنازع فيه للفعلين قبله وقد يتنازع المختلفان في التعدي الاسم الذي يكون صالحاً لأن يعملا فيه تقول : أعطيت ووهبت لعمرو درهماً كما يتنازع اللازم والمتعدي نحو قام وضربت زيداً .
/ وقد أجاب عليه السلام بهذا عن مقالتهم الشنعاء المبنية على اعتقاد كون آلهتهم تضر وتنفع ، ولما كان ما وقع أولاً منه عليه السلام في حقها من كونها بمعزل عن الألوهية إنما وقع إنما وقع في ضمن الأمر بعبادة الله تعالى واختصاصه بها وقد شق ذلك عليهم وعدّوه مما يورث شيناً حتى زعموا ما زعموا صرح عليه السلام بالحق وصدع به حيث أخبر ببراءته القديمة عنها بالجملة الاسمية المصدرة بأن وأكد ذلك بأشهد الله فإنه كالقسم في إفادة التأكيد وأمرهم بأن يسمعوا ذلك ويشهدوا به ، والمقصود منه الاستهانة والاستهزاء كما يقول الرجل لخصمه إذا لم يبال به : أشهد على أني قائل لك كذا ، وكأنه غاير بين الشهادتين لذلك ، وعطف الإنشاء على الأخبار جائز عند بعض ، ومن لم يجوزه قدر قولاً أي وأقول { اشهدوا } ويحتمل أن يكون إشهاد الله تعالى إنشاء أيضاً وإن كان في صورة الخبر ، وحينئذٍ لا قيل ولا قال ، وجوز أن يكون إشهاده عليه السلام لهم حقيقة إقامة للحجة عليهم .
وعدل عن الخبر فيه تمييزاً بين الخطابين فهو خبر في المعنى كما هو المشهور في الأول لكن الأولى الحمل على المجاز ، ثم أمرهم بالاجتماع والاحتشاد مع آلهتهم جميعاً دون بعض منها حسبما يشعر به قولهم { بَعْضُ ءالِهَتِنَا } [ هود : 54 ] والتعاون في إيصال الكيد إليه عليه السلام ، ونهاهم عن الإنظار والإمهال في ذلك فقال :
{ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } أي إن صح ما لو حتم به من كون آلهتكم مما يقدرون على إضرار من ينال منها ويصد عن عبادتها ولو بطريق ضمني فإني برىء منها فكونوا أنتم معها جميعاً وباشروا كيدي ثم لا تمهلوني ولا تسامحوني في ذلك ، فالفاء لتفريع الأمر على زعمهم من قدرة آلهتهم على ما قالوا وعلى البراءة كليهما ، والخطاب للقوم وآلهتهم ، ويفهم من كلام بعض أنه للقوم فقط ، وفيه نفي قدرة آلهتهم على ضره بطريق برهاني فإن الأقوياء الأشداء إذا لم يقدروا مع اجتماعهم واحتشادهم على الضر كان عدم قدرة الجمادات عليه معلوماً من باب أولى ، وأياً مّا كان فذاك من أعظم المعجزات بناءاً على ما قيل : إنه كان عليه السلام مفرداً بين جمع عتاة جبابرة عطاش إلى إراقة دمه يرمونه عن قوس واحدة ، وقد خاطبهم بما خاطبهم وحقرهم وآلهتهم وهيجهم على ما هيجهم فلم يقدروا على مباشرة شيء مما كلفوه ، وظهر عجزهم عن ذلك ظهوراً بيناً ، وفي ذلك دلالة على مزيد ثقته بالله سبحانه وكمال عنايته به وعصمته له ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.