البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ} (55)

وحرضهم كلهم مع انفراده وحده على كيده بما يشاؤون ، وعدم تأخره من أعظم الآيات على صدقه وثقته بموعود ربه من النصر له ، والتأييد والعصمة من أن ينالوه بمكروه ، هذا وهم حريصون على قتله يرمونه عن قوس واحدة .

ومثله قول نوح لقومه : { ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون } وأكد براءته من آلهتهم وشركهم ، ووفقها بما جرت عليه عادة الناس من توثيقهم الأمر بشهادة الله وشهادة العباد .

قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : هلا قيل : إني أشهد الله وأشهدكم ( قلت ) : لأنّ إشهاد الله على البراءة من الشرك إشهاد صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد ، وأما إشهادهم فما هو إلا تهاون بدينهم ودلالة على قلة المبالاة بهم فحسب ، فعدل به عن لفظ الأول لاختلاف ما بينهما ، وجيء به على لفظ الأمر بالشهادة انتهى .

وإني بريء تنازع فيه أشهد واشهدوا ، وقد يتنازع المختلفان في التعدي الاسم الذي يكون صالحاً ، لأن يعملا فيه تقول أعطيت زيداً ووهبت لعمرو ديناراً ، كما يتنازع اللازم والمتعدي نحو : قام وضربت زيداً .

وما في ما تشركون موصولة ، إما مصدرية ، وإما بمعنى الذي أي : بريء من إشراككم آلهة من دونه ، أو من الذين تشركون ، وجميعاً حال من ضمير كيدوني الفاعل ، والخطاب إنما هو لقومه .

وقال الزمخشري : أنتم وآلهتكم انتهى .

قيل : ومجاهرة هود عليه السلام لهم بالبراءة من أديانهم ، وحضه إياهم على كيده هم وأصنامهم معجزة لهود ، أو حرض جماعتهم عليه مع انفراده وقوتهم وكثرتهم ، فلم يقدروا على نيله بسوء ،