ولكن هذا المنطق الرصين من إبراهيم ، لم يجد أذنا واعية من قومه ، بل قابلوا قوله هذا بالتهديد والوعيد الذى حكاه - سبحانه - فى قوله : { قَالُواْ ابنوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الجحيم } أى قالوا فيما بينهم : انبوا لإِبراهيم بنيانا ، ثم املأوه بالنار المشتعلة ، ثم ألقوا به فيها فتحرقه وتهلكه .
فالمراد بالجحيم : النار الشديدة التأجج . وكل نا رعضها فوق بعض فهى جحيم ، وهذا اللفظ مأخوذ من الجَحْمة وهى شدة التأجج والاتقاد - يقال : حجم فلان النار - كمنع - إذا أوقدها وأشعلها ، واللام فيه عوض عن المضاف إليه - أى - ألقوه فى جحيم ذلك البنيان الملئ بالنار .
ومع وضوح هذا المنطق وبساطته ، إلا أن القوم في غفلتهم وفي اندفاعهم لم يستمعوا له - ومتى استمع الباطل إلى صوت الحق البسيط ? - واندفع أصحاب الأمر والنهي فيهم يزاولون طغيانهم في صورته الغليظة :
( قالوا : ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم ) . .
إنه منطق الحديد والنار الذي لا يعرف الطغاة منطقاً سواه ؛ عندما تعوزهم الحجة وينقصهم الدليل . وحينما تحرجهم كلمة الحق الخالصة ذات السلطان المبين .
فعند ذلك لما قامت عليهم الحجة عدلوا إلى أخذه باليد والقهر ، فقالوا : { ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ } وكان من أمرهم ما تقدم بيانه في سورة الأنبياء ، ونجاه الله من النار وأظهره عليهم ، وأعلى حجته ونصرها ؛ ولهذا قال تعالى : { فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ } .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال قوم إبراهيم لما قال لهم إبراهيم:"أتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ" ابنُوا لإبراهيم بنيانا، ذُكر أنهم بنوا له بنيانا يشبه التّنّور، ثم نقَلوا إليه الحطب، وأوقدوا عليه، "فأَلْقُوهُ في الجَحِيمِ "والجحيم عند العرب: جمر النار بعضُه على بعض، والنار على النار.
واعلم أن إبراهيم عليه السلام لما أورد عليهم هذه الحجة القوية ولم يقدروا على الجواب عدلوا إلى طريق الإيذاء فقالوا:"ابنوا له بنيانا" واعلم أن كيفية ذلك البناء لا يدل عليها لفظ القرآن...
{فألقوه في الجحيم} وهي النار العظيمة، قال الزجاج: كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم، والألف واللام في الجحيم يدل على النهاية، والمعنى في جحيمه، أي في جحيم ذلك البنيان.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان السامع يعلم أنهم لا بد وأن يجيبوه بشيء فتشوف إلى ذلك، أجيب بقوله:
{بنياناً} أي من الأحطاب حتى تصير كالجبل العظيم، فاحرقوها حتى يشتد لهبها جداً فيصير جحيماً.
{فألقوه في} ذلك {الجحيم} وهي على أشد ما يكون إيقاداً.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
مع وضوح هذا المنطق وبساطته، إلا أن القوم في غفلتهم وفي اندفاعهم لم يستمعوا له -ومتى استمع الباطل إلى صوت الحق البسيط؟- واندفع أصحاب الأمر والنهي فيهم يزاولون طغيانهم في صورته الغليظة: (قالوا: ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم).. إنه منطق الحديد والنار الذي لا يعرف الطغاة منطقاً سواه؛ عندما تعوزهم الحجة وينقصهم الدليل، وحينما تحرجهم كلمة الحق الخالصة ذات السلطان المبين.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
صحيح أنّ كميّة قليلة من الحطب كانت تكفي لحرق إنسان كإبراهيم، لكنّهم فعلوا ذلك ليطفؤوا غيظ قلوبهم من جرّاء تحطيم أصنامهم، وبمعنى آخر الانتقام من إبراهيم بأشدّ ما يمكن، لعلّهم بذلك يعيدون العظمة والأبّهة لأصنامهم، إضافةً إلى أنّ عملهم هذا كان تخويفاً وتحذيراً لمعارضيهم، كي لا تتكرّر مثل هذه الحادثة مرّة أخرى في تاريخ بابل، لذلك فقد أوقدوا ناراً عظيمة.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.