قوله تعالى : { وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم } ، على ما علم منهم . وقيل : يميت الكل ، ثم يحشرهم ، الأولين والآخرين .
أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أنبأنا أبو سعيد الصيرفي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات على شيء بعثه الله عليه " .
ثم بين - سبحانه - أن مرجع الخلق جميعاً إليه فقال : { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } .
أى : وإن ربك - وحده - أيها المخاطب - هو الذى يتولى حشر الأولين والآخرين ، وجمعهم يوم القيامة للحساب والثواب والعقاب ، إنه - سبحانه - { حكيم } فى كل تصرفاته وأفعاله { عليم } بأحوال خلقه ما ظهر منها وما بطن .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة ، قد اشتملت على ألوان من الأدلة الدالة على وحدانية الله - تعالى - وعظيم قدرته ، وبديع صنعه ، وشمول علمه ، مما يوجب الإِيمان به - سبحانه - وإخلاص العبادة له ، ومقابلة نعمه بالشكران لا بالكفران ، وبالطاعة لا بالمعصية . . .
وبعد أن ساق - سبحانه - ألواناً من الأدلة على وحدانيته وقدرته ، عن طريق خلقه للسماء وما فيها من بروج وشهب . . وللأرض وما عليها من جبال ونبات . . وللرياح وما تحمله من سحب وأمطار . . .
أتبع ذلك بأدلة أخرى على كمال ذاته وصفاته عن طريق خلقه للإِنسان وللجن وللملائكة . . فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } .
( وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم )
وأنه هو الذي يحشرهم في النهاية ، وإليه المصير :
يقدر لكل أمة أجلها بحكمته ، ويعلم متى تموت ، ومتى تحشر ، وما بين ذلك من أمور . .
ونلاحظ في هذا المقطع وفي الذي قبله تناسقا في حركة المشهد . في تنزيل الذكر . وتنزيل الملائكة . وتنزيل الرجوم للشياطين . وتنزيل الماء من السماء . . ثم في المجال الذي يحيط بالأحداث والمعاني ، وهو مجال الكون الكبير : السماء والبروج والشهب ، والأرض والرواسي والنبات ، والرياح والمطر . . فلما ضرب مثلا للمكابرة جعل موضوعه العروج من الأرض إلى السماء خلال باب منها مفتوح في ذات المجال المعروض . وذلك من بدائع التصوير في هذا الكتاب العجيب .
وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر ، عن أبيه : أنه سمع عون بن عبد الله يُذاكر محمد بن كعب في قوله : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ } وأنها في صفوف الصلاة ، فقال محمد بن كعب : ليس هكذا ، { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ } الميت والمقتول و{ الْمُسْتَأْخِرِينَ } من يُخلقُ بَعْدُ ، { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فقال عون بن عبد الله : وفقك الله وجزاك خيرًا{[16148]}
وقوله : وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ يعني بذلك جلّ ثناؤه : وإن ربك يا محمد هو يجمع جميع الأوّلين والاَخرين عنده يوم القيامة ، أهل الطاعة منهم والمعصية ، وكلّ أحد من خلقه ، المستقدمين منهم والمستأخرين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال : أي الأول والاَخر .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو خالد القرشيّ ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، في قوله : وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال : هذا من ها هنا ، وهذا من ها هنا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخُرَاسانيّ ، عن ابن عباس : وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال : وكلهم ميت ، ثم يحشرهم ربهم .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر : وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال : يجمعهم الله يوم القيامة جميعا .
وقال الحسن : قال عليّ : قال داود : سمعت عامرا يفسر قوله : إنّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ يقول أن ربك حكيم في تدبيره خلقه في إحيائهم إذا أحياهم ، وفي إماتتهم إذا أماتهم ، عليم بعددهم وأعمالهم وبالحيّ منهم والميت ، والمستقدم منهم والمستأخر . كما :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : كلّ أولئك قد علمهم الله يعني المستقدمين والمستأخرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.