قوله تعالى : { فسجد الملائكة } ، الذين أمروا بالسجود ، { كلهم أجمعون } . فإن قيل : لم قال { كلهم أجمعون } وقد حصل المقصود بقوله فسجد الملائكة ؟ قلنا : زعم الخليل وسيبويه أنه ذكر ذلك تأكيدا . وذكر المبرد : أن قوله { فسجد الملائكة } كان من المحتمل أنه سجد بعضهم فذكر { كلهم } ليزول هذا الإشكال ، ثم كان يحتمل أنهم سجدوا في أوقات مختلفة فزال ذلك الإشكال بقوله { أجمعون } ، وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه : إن الله عز وجل قال لجماعة من الملائكة : اسجدوا لآدم فلم يفعلوا فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم قال لجماعة أخرى : اسجدوا لآدم فسجدوا .
ثم بين - سبحانه - ما كان من الملائكة بعد ذلك فقال : { فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } أى : امتثل الملائكة لأمر الله بعد أن خلق - سبحانه - آدم وسواه ونفخ فيه من روحه ، فسجدوا له كلهم أجمعون دون أن يتخلف منهم أحد .
وجمع - سبحانه - بين لفظى التوكيد { كلهم أجمعون } للمبالغة في ذلك ، ولإِزالة أى التباس بأن أحداً شذ عن طاعة الله - تعالى - .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ أَن يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ * قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فلما خلق الله ذلك البشر ونفخ فيه الروح بعد أن سوّاه ، سجد الملائكة كلهم جميعا إلا إبليس ، فإنه أبى أن يكون مع الساجدين في سجودهم لاَدم حين سجدوا ، فلم يسجد له معهم تكبرا وحسدا وبغيا ، فقال الله تعالى ذكره : يا إبليسُ ما لكَ ألاّ تكونَ معَ السّاجِدينَ يقول : ما منعك من أن تكون مع الساجدين ؟ ف «أنْ » في قول بعض نحويي الكوفة خفض ، وفي قول بعض أهل البصرة نصب بفقد الخافض .
وقوله : { كلهم أجمعون } هو -عند سيبويه - تأكيد بعد تأكيد ، يتضمن الآخر ما تضمن الأول . وقال غيره : { كلهم } لو وقف عليه - لصلحت للاستيفاء ، وصلحت على معنى المبالغة مع أن يكون البعض لم يسجد ، وهذا كما يقول القائل : كل الناس يعرف كذا ، وهو يريد أن المذكور أمر مشتهر ، فلما قال : { أجمعون } رفع الاحتمال في أن يبقى منهم أحد ، واقتضى الكلام أن جميعهم سجد . وقال ابن المبرد : لو وقف على { كلهم } لاحتمل أن يكون سجودهم في مواطن كثيرة ، فلما قال : { أجمعون } دل على أنهم سجدوا في موطن واحد .
قال القاضي أبو محمد : واعترض قول المبرد بأنه جعل قوله : { أجمعون } حالاً . بمعنى مجتمعين ، يلزمه - على هذا - أن يكون أجمعين ، يقرب من التنكير إذ هو معرفة لكونه يلزم اتباع المعارف ، والقراءة بالرفع تأبى قوله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.