إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَسَجَدَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ} (30)

{ فَسَجَدَ الملائكة } أي فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد الملائكة { كُلُّهُمْ } بحيث لم يشذ منهم أحد { أَجْمَعُونَ } بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد ، ولا اختصاص لإفادة هذا المعنى بالحالية بل يفيده التأكيد أيضاً ، فإن الاشتقاق الواضح يرشد إلى أن فيه معنى الجمع والمعية بحسب الوضع ، والأصل في الخطاب التنزيل على أكمل أحوال الشيء ، ولا ريب في أن السجود معاً أكمل أصناف السجود ، لكن شاع استعماله تأكيداً وأقيم مقام كل في إفادة معنى الإحاطة من غير نظر إلى الكمال ، فإذا فهمت الإحاطة من لفظ آخر لم يكن بد من مراعاة الأصل صونا للكلام عن الإلغاء ، وقيل : أكد بتأكيدين مبالغة في التعميم . هذا وأما أن سجودهم هذا هل ترتب على ما حكي من الأمر التعليقي كما تقتضيه هذه الآية الكريمة والتي في سورة ص ، أو على الأمر التنجيزي كما يستدعيه ما في غيرهما فقد خرجنا بفضل الله عز وجل عن عهدة تحقيقه في تفسير سورة البقرة .