قوله : { والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } أى : أن من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين ، الذين إذا مسهم الشر لا يجزعون ، وإذا مسهم الخير لا يمنعون . . أنهم لا يخلون بشئ من الأمانات التى يؤمنون عليها ، ولا ينقضون شيئا من العهود التى يعاهدون غيرهم عليها ، وإنما هم يراعون ذلك ويحفظونه حفظا تاما .
فقوله { رَاعُونَ } جمع راع ، وهو الذى يرعى الحقوق والأمانات والعهود ويحفظها ويحرسها ، كما يحرس الراعى غنمه وإبله حراسة تامة .
( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) .
وهذه من القوائم الأخلاقية التي يقيم الإسلام عليها نظام المجتمع . ورعاية الأمانات والعهود في الإسلام تبدأ من رعاية الأمانة الكبرى التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان . وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها اختيارا لا اضطرارا . . ومن رعاية العهد الأول المقطوع على فطرة الناس وهم بعد في الأصلاب أن الله ربهم الواحد ، وهم بخلقتهم على هذا العهد شهود . . ومن رعاية تلك الأمانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر الأمانات والعهود في معاملات الأرض وقد شدد الإسلام في الأمانة والعهد وكرر وأكد ، ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة . وجعل رعاية الأمانة والعهد سمة النفسالمؤمنة ، كما جعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد سمة النفس المنافقة والكافرة . ورد هذا في مواضع شتى من القرآن والسنة لا تدع مجالا للشك في أهمية هذا الأمر البالغة في عرف الإسلام .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ * وَالّذِينَ هُمْ عَلَىَ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلََئِكَ فِي جَنّاتٍ مّكْرَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وإلا الذين هم لأمانات الله التي ائتمنهم عليها من فرائضه وأمانات عباده التي ائتُمِنُوا عليها ، وعهوده التي أخذها عليهم بطاعته فيما أمرهم به ونهاهم وعهود عباده التي أعطاهم على ما عقده لهم على نفسه راعون ، يرقبون ذلك ، ويحفظونه فلا يضيعونه ، ولكنهم يؤدّونها ويتعاهدونها على ما ألزمهم الله وأوجب عليهم حفظها وَالّذِينَ هُمْ بشَهادَاتِهِمْ قائمُونَ يقول : والذين لا يكتمون ما استشهدوا عليه ، ولكنهم يقومون بأدائها ، حيث يلزمهم أداؤها غير مغيرة ولا مبدّلة وَالّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ يقول : والذين هم على مواقيت صلاتهم التي فرضها الله عليهم وحدودها التي أوجبها عليهم يحافظون ، ولا يضيعون لها ميقاتا ولا حدّا .
الأمانات : جمع أمانة ، وجمعها لأنها تكون متنوعة من حيث هي في الأموال وفي الأسرار فيما بين العبد وربه فيما أمره ونهاه عنه ، قال الحسن : الدين كله أمانة . وقرأ ابن كثير وحده من السبعة : «لأمانتهم » بالإفراد ، والعهد : كل ما تقلده الإنسان من قول أو فعل أو مودة ، إذا كانت هذه الأشياء على طريق البر ، فهو عهد ينبغي رعيه وحفظه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «حسن العهد من الإيمان »{[11331]} و : { راعون } جمع راع أي حافظ .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني يؤدون الأمانة ويوفون بالعهد، ثم قال: {راعون} يرعونه ويتعاهدونه كما يرعى الراعي الشفيق غنمه عن مواقع الهلكة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإلا الذين هم لأمانات الله التي ائتمنهم عليها من فرائضه، وأمانات عباده التي ائتُمِنُوا عليها، وعهوده التي أخذها عليهم بطاعته فيما أمرهم به ونهاهم، وعهود عباده التي أعطاهم على ما عقده لهم على نفسه راعون، يرقبون ذلك، ويحفظونه فلا يضيعونه، ولكنهم يؤدّونها ويتعاهدونها على ما ألزمهم الله وأوجب عليهم حفظها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدهما: ما ائتمن الله عز وجل عباده على ما له من الحقوق عليهم.
والثاني: ما ائتمن بعضهم بعضا على الحقوق والعهود التي تجري بين الخلق من الذمم والنذور وغير ذلك، فيدخل في كل أمانة بين العبد وبين ربه وبينه وبين الخلق، وكل عهد أخذ عليهم... وقد يدخل معنى الأمانة في العهد والعهد في الأمانة، وقد يجوز أن يقع بينهما فرق، والله اعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالأمانة: المعاقدة بالطمأنينة على حفظ ما تدعو اليه الحكمة.
وقيل: الأمانة معاقدة بالثقة على ما تدعو إليه الحكمة.
ومن وحد لفظ الأمانة، فلانها للجنس تقع على القليل والكثير، ومن جمع أراد اختلاف ضروبها.
وقال قوم: المراد بالأمانة: الإيمان وما أخذه الله على عباده من التصديق بما أوجب عليهم والعمل بما يجب عليهم العمل به.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
من الأمانات إقرارُهم وقتَ الذّرِّ.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
الأمانات: جمع أمانة، وجمعها لأنها تكون متنوعة من حيث هي في الأموال وفي الأسرار فيما بين العبد وربه فيما أمره ونهاه عنه، قال الحسن: الدين كله أمانة. وقرأ ابن كثير وحده من السبعة: «لأمانتهم» بالإفراد،
والعهد: كل ما تقلده الإنسان من قول أو فعل أو مودة، إذا كانت هذه الأشياء على طريق البر، فهو عهد ينبغي رعيه وحفظه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حسن العهد من الإيمان» و: {راعون} جمع راع أي حافظ.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
لا يخلون بشيء من حقوقها، وكأنه لكثرة الأمانة جمعت، ولم يجمع العهد قبل إيذاناً بأنه ليس كالأمانة كثرة، وقيل لأنه مصدر. ويدل على كثرة الأمانة ما روى الكلبي كل أحد مؤتمن على ما افترض عليه من العقائد والأقوال والأحوال والأفعال ومن الحقوق في الأموال وحقوق الأهل والعيال وسائر الأقارب والمملوكين والجار وسائر المسلمين.
وقال السدي إن حقوق الشرع كلها أمانات قد قبلها المؤمن وضمن أداءها بقبول الإيمان.
وقيل كل ما أعطاه الله تعالى للعبد من الأعضاء وغيرها أمانة عنده، فمن استعمل ذلك في غير ما أعطاه لأجله وأذن سبحانه له به، فقد خان الأمانة.
والخيانة فيها وكذا الغدر بالعهد من الكبائر على ما نص غير واحد، وقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر مرفوعاً "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر."
وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن أنس قال: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: " لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذه من القوائم الأخلاقية التي يقيم الإسلام عليها نظام المجتمع. ورعاية الأمانات والعهود في الإسلام تبدأ من رعاية الأمانة الكبرى التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان. وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها اختيارا لا اضطرارا.. ومن رعاية العهد الأول المقطوع على فطرة الناس وهم بعد في الأصلاب أن الله ربهم الواحد، وهم بخلقتهم على هذا العهد شهود.. ومن رعاية تلك الأمانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر الأمانات والعهود في معاملات الأرض وقد شدد الإسلام في الأمانة والعهد وكرر وأكد، ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة. وجعل رعاية الأمانة والعهد سمة النفس المؤمنة، كما جعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد سمة النفس المنافقة والكافرة. ورد هذا في مواضع شتى من القرآن والسنة لا تدع مجالا للشك في أهمية هذا الأمر البالغة في عرف الإسلام.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وذكرُ رعي الأمانات والعهد لمناسبة وصف ما يودّ الكافر يوم الجزاء أن يفتديه من العذاب بفصيلته التي تؤويه، فيذهب منه رعي العهود التي يجب الوفاء بها للقبيلة. وحسبك من تشويه حاله أنه قد نكث العهود التي كانت عليه لقومه من الدفاع عن حقيقتهم بنفسه وكان يفديهم بنفسه، والمسلم لما كان يرعى العهد بما يمليه عليه دينه، جازاه الله بأن دفع عنه خزي ودادة فدائه نفسه بمواليه وأهل عهده.