والفاء فى قوله - سبحانه - : { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى } للإفصاح عن مقدر ، لأنها تدل على مراعاة مضمون الكلام الذى قبلها ، وتأتى بعده بما يفصله ويزيده وضوحا . .
وقوله : { تلظى } أى : تتوقد وتتوهج وتلتهب ، وأصله تتلظى ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا . أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم ، من حسن عاقبة من أعطى واتقى ، ومن سوء عاقبة من بخل واستغنى ، ومن أن كل شئ تحت قدرتنا وتصرفنا .
فأكون بذلك قد حذرتكم من عذاب عظيم يوم القيامة ، وخوفتكم من السقوط فى نار عظيمة تلتهب وتتوقد ، وهذه النار { لاَ يَصْلاَهَآ } أى : لا يحترق بها { إِلاَّ الأشقى أى : من اشتد شقاؤه بسبب إصراره على كفره وفجوره .
ثم قال جلّ ثناؤه : فَأنْذَرْتُكُمْ نارا تَلَظّى يقول تعالى ذكره : فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهّج ، وهي نار جهنم ، يقول : احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا ، وتكفروا به ، فتَصْلَونها في الاَخرة . وقيل : تلظّى ، وإنما هي تتلظّى ، وهي في موضع رفع ، لأنه فعل مستقبل ، ولو كان فعلاً ماضيا لقيل : فأنذرتكم نارا تلظّت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : نارا تَلَظّى قال : تَوَهّج .
يجوز أن تكون الفاء لمجرد التفريع الذِكري إذا كان فعل : « أنذرتكم » مستعملاً في ماضيه حقيقةً وكان المراد الإِنذار الذي اشتمل عليه قوله : { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } إلى قوله : { تردى } [ الليل : 8 11 ] . وهذه الفاء يشبه معناها معنى فاء الفصيحة لأنها تدلّ على مراعاة مضمون الكلام الذي قبلها وهو تفريع إنذار مفصَّللٍ على إنذارٍ مجمل .
ويجوز أن تكون الفاء للتفريع المعنوي فيكون فعلُ « أنذرتكم » مراداً به الحال وإنما صيغ في صيغة المضي لتقريب زمان الماضي من الحال كما في : قد قَامت الصلاة ، وقولهم : عزمت عليك إلاّ ما فعلت كذا ، أي أعزم عليك ، ومثل ما في صيغ العقود : كبعتُ ، وهو تفريع على جملة : { إن علينا للهدى } [ الليل : 12 ] والمعنى : هديكم فأنذرتكم إبلاغاً في الهدى .
وتنكير { ناراً } للتهويل ، وجملة { تلظى } نعت . وتلظى : تلتهب من شدة الاشتعال . وهو مشتق من اللّظى مصدر : لَظَيَتْ النار كرَضيتْ إذا التهبت ، وأصل { تلظى } تتلظى بتاءين حذفت إحداهما للاختصار .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ فأنذرتكم } يا أهل مكة { نارا تلظى } يعني تتوقد وتشتعل...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهّج ، وهي نار جهنم ، يقول : احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا ، وتكفروا به ، فتَصْلَونها في الآخرة ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي نارا تتوقد ، وتتشعب ، على ما ذكر من صفتها . ثم الإنذار يكون للفريقين لأهل التوحيد ولأهل الشرك جميعا ، والله أعلم . ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وعيد من الله تعالى للمكلفين . تقول خوفتكم المعاصي التي تؤديكم إلى نار تلظى ... والتلظي: تلهب النار بشدة الإيقاد ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فأنذرتكم } أي حذرتكم أيها المخالفون للطريق الذي بينته { ناراً تلظّى } أي تتقد وتتلهب تلهباً هو في غاية الشدة من غير كلفة فيه على موقدها أصلاً ولا أحد من خزنتها - بما أشار إليه إسقاط التاء ، وفي الإدغام أيضاً إشارة إلى أن أدنى نار الآخرة كذلك ، فيصير إنذار ما يتلظى وما فوق ذلك من باب الأولى . ...
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
أي تتلظى ، واللظى : اللهب الخالص ، وفي وصف النار هنا بلظى مع أن لها صفات عديدة منها : السعير ، وسقر ، والجحيم ، والهاوية ، وغير ذلك . وذكر هنا صنفاً خاصاً ، وهو من كذب وتولى ، كما تقدم في موضع آخر في وصفها أيضاً بلظى في قوله تعالى : { إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى } ، ثم بين أهلها بقوله : { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى } . وهو كما هو هنا { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لاَ يَصْلاهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } ، وهو المعنى في قوله قبله : { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى } ، مما يدل أن للنار عدة حالات أو مناطق أو منازل ، كل منزلة تختص بصنف من الناس ، فاختصت لظى بهذا الصنف ، واختصت سقر بمن لم يكن من المصلين ، وكانوا يخوضون مع الخائضين ، ونحو ذلك . ويشهد له قوله : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } ، كما أن الجنة منازل ودرجات ، حسب أعمال المؤمنين ، واللَّه تعالى أعلم . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.