{ أم يريدون كيدا } وهو كيدهم في دار الندوة برسول الله صلى الله عليه وسلم . { فالذين كفروا } يحتمل العموم والخصوص فيكون وضعه موضع الضمير للتسجيل على كفرهم ، والدلالة على أنه الموجب للحكم المذكور .
{ هم المكيدون } هم الذين يحيق بهم الكيد أو يعود عليهم وبال كيدهم ، وهو قتلهم يوم بدر أو المغلوبون في الكيد من كايدته فكدته .
المكيدون : الذين يحيق بهم الشرّ ، ويعود إليهم وباله .
42- { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ } .
هل يريدون تدبير أذى للرسول صلى الله عليه وسلم ؟ لا يستطيعون ذلك ، فالله يعصمه من الناس ، وسيقع جزاء كيدهم وشرّهم بهم .
وهذه الآية من إعجاز القرآن وإخباره بالغيب ، فقد نزلت قبل الهجرة ، حيث اجتمع الكفار في دار الندوة ، يدبِّرون الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
فمنهم من يرى حبسه ، ومنهم من يرى نفيه خارج مكة ، ومنهم من يرى أن يُختار من كل قبيلة شاب ، ويعطى كل شاب سيفا صارما بتارا ، ويضرب الجميع محمدا ضربة رجل واحد ، وبذلك يتفرق دمه في القبائل ، فلا يقدر بنو عبد مناف على قتالهم ، فيقلبون الدِّية في دمه ، ثم استقروا واتفقوا على هذا الرأي ، لكن الله تعالى أبطل كيدهم ، وحفظ رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأخرجه من بينهم ، وقد أعمى الله أبصارهم عنه ، ويسَّر طريق الهجرة لرسوله صلى الله عليه وسلم ثم هزمهم الله في بدر ، وظل شأنهم في انحدار ، وشأن الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتفاع ، حتى فتحت مكة ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .
أريد أن أنقل لك نبذة وصورة من حاشية الجمل على تفسير الجلالين ، لتحيط بأسلوب التأليف للشيخ سليمان بن عمر العجيلي الشافعي بالجمل المتوفى سنة 1204 ه ، حيث يقول ( 4/220 ) :
{ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا . . . }
وفي المصباح : كاده كيدا ، من باب باع ، خدعه ومكر به ، والاسم : المكيدة ، أ . ه .
والاستفهام إنكاري ، على معنى نفي اللياقة والانبغاء ، أي : لا ينبغي ولا يليق منهم هذه الإرادة ، أي التشاور والاجتماع على كيدك ، كما ذكر في قوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } . ( الأنفال : 30 )
وكان هذا المكر في دار الندوة ، وهي دار من دور أهل مكة .
والظاهر أنه من الإخبار بالغيب ، فإن السورة مكية ، وذلك الكيد كان وقوعه ليلة الهجرة .
{ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ } .
هذا من وقوع الظاهر موقع الضمير ، تنبيها على اتصافهم بهذه الصفة القبيحة ، والأصل : أم يريدون كيدا فهم المكيدون . أو حكم على جنس هم نوع منه ، فيندرجون فيه اندراجا أوليا ، لتوغلهم في هذه الصّفة .
{ هم المكيدون } هم المغلوبون الذين يحيق بهم كيدهم ، ويعود عليهم وباله . اسم مفعول من المكيد ، وهو المكر والخبث والحيلة والحرب . وهو إشارة إلى ما دبروه في دار الندوة بمكة من الفتك به صلى الله عليه وسلم ؛ فعصمه الله منهم وردهم خائبين . وقتلوا يوم بدر في السنة الخامسة عشرة من البعثة . وقد كررت " أم " – كما قدمنا – خمس عشرة مرة ؛ بعدد هذه السنين ، ولذا قالوا : إنه من معجزات القرآن ؛ وكم له من معجزات وغرائب وأسرار ! !
{ أم يريدون كيداً } : أي مكراً وخديعة بك وبالدين .
{ فالذين كفروا هم المكيدون } : أي فالكافرون هم المكيدون المغلوبون .
وقوله : { أم يريدون كيداً } أي أيريدون بك وبدينك كيداً ؛ ليقتلوك ويبطلوا دينك فالذين كفروا هم المكيدون ولست أنت ولا دينك . ولم يمض عن نزول هذه الآيات طويلُ زمن حتى هلك أولئك الكائدون ونصر الله رسوله وأعز دينه والحمد لله رب العالمين .
- صدق القرآن في أخباره آية أنه وحي الله وكلامه صدقاً وحقاً إنه لم يمض إلا قليل من الوقت أي خمسة عشر عاماً حتى ظهر مصداق قول الله تعالى فالذين كفروا هم المكيدون .
وقوله : { أَمْ يُرِيدُونَ } بقدحهم فيك وفيما جئتهم به { كَيْدًا } يبطلون به دينك ، ويفسدون به أمرك ؟
{ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ } أي : كيدهم في نحورهم ، ومضرته عائدة إليهم ، وقد فعل الله ذلك -ولله الحمد- فلم يبق الكفار من مقدورهم من المكر شيئا إلا فعلوه ، فنصر الله نبيه ودينه عليهم{[888]} وخذلهم وانتصر منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.