القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْواتاً * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مّآءً فُرَاتاً * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } .
يقول تعالى ذكره منبها عباده على نعمه عليهم : أَلمْ نَجْعَلِ أيها الناس الأرْضَ لكم كِفاتا يقول : وعاء تقول : هذا كفت هذا وكفيته ، إذا كان وعاءه . وإنما معنى الكلام : ألم نجعل الأرض كِفاتَ أحيائكم وأمواتكم ، تَكْفِت أحياءكم في المساكن والمنازل ، فتضمهم فيها وتجمعهم ، وأمواتَكم في بطونها في القبور ، فيُدفَنون فيها .
وجائز أن يكون عُني بقوله : كِفاتا أحْياءا وأمْوَاتا تكفت أذاهم في حال حياتهم ، وجيفهم بعد مماتهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا يقول : كِنّا .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا خالد ، عن مسلم ، عن زاذان أبي عمر ، عن الربيع بن خيثم ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه وجد قملة في ثوبه ، فدفنها في المسجد ثم قال : أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا مسلم الأعور ، عن زاذان ، عن ربيع بن خيثم ، عن عبد الله ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، قال : قال مجاهد في الذي يرى القملة في ثوبه وهو في المسجد ، ولا أدري قال في صلاة أم لا ، إن شئت فألقها ، وإن شئت فوارها أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن بيان ، عن الشعبيّ أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا قال : بطنها لأمواتكم ، وظهرها لأحيائكم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا قال : تكفت أذاهم أحْياءً تواريه وأمْوَاتا يدفنون : تكفتهم . وقد :
حدثني به ابن حميد مرّة أخرى ، فقال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا قال : تكفت أذاهم وما يخرج منهم أحْياءً وأمْوَاتا قال : تكفتهم في الأحياء والأموات .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا قال : أحياء يكونون فيها . قال محمد بن عمرو : يغيبون فيها ما أرادوا وقال الحارث : ويغيبون فيها ما أرادوا . وقوله : أحْياءً وأمْوَاتا قال : يدفنون فيها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَلمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا يسكن فيها حيهم ، ويدفن فيها ميتهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أحْياءً وأمْوَاتا قال : أحياء فوقها على ظهرها ، وأمواتا يُقبرون فيها .
واختلف أهل العربية في الذي نصب أحْياءً وأمْوَاتا فقال بعض نحويي البصرة : نصب على الحال . وقال بعض نحويي الكوفة : بل نصب ذلك بوقوع الكفات عليه ، كأنك قلت : ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات ، فإذا نوّنت نصبت كما يقرأ من يقرأ : أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيما ذَا مَقْرَبَةٍ وهذا القول أشبه عندي بالصواب .
و «الكفات » : الستر والوعاء الجامع للشيء بإجماع ، تقول كفت الرجل شعره إذا جمعه بخرقة ، فالأرض تكفت الأحياء على ظهرها ، وتكفت الأموات في بطنها و { أحياء } على هذا التأويل مُعمول لقوله { كفاتاً } لأنه مصدر .
وقال بعض المتأولين { أحياء وأمواتاً } إنما هو بمعنى أن الأرض فيها أقطار أحياء وأقطار أموات يراد ما ينبت وما لا ينبت ، فنصب { أحياء } على هذا إنما هو على الحال من { الأرض } ، والتأويل الأولى أقوى .
وقال بنان خرجنا مع الشعبي إلى جنازة فنظر إلى الجبانة فقال : هذه كفات الموتى ، ثم نظر إلى البيوت فقال : هذه كفات الأحساء ، وكانت العرب تسمي بقيع الغرقد كفتة لأنها مقبرة تضم الموتى{[11547]} ، وفي الحديث «خمروا آنيتكم وأوكئوا أسقيتكم واكفتوا صبيانكم وأجيفوا أبوابكم وأطفئوا مصابيحكم »{[11547]} . ودفن ابن مسعود قملة في المسجد ثم قرأ { ألم نجعل الأرض كفاتاً } .
قال القاضي أبو محمد : ولما كان القبر { كفاتاً } كالبيت قطع من سرق منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.