قوله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً } هذا هو النوع الرَّابع من تخويف الكُفَّار ؛ لأنه - تعالى - ذكرهم في الآية المتقدمة بالنعم التي في الأنفس لأنها كالأصل للنعم التي في الآفاق ، ثم قال في آخرها : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } ؛ لأن النعم كلها كانت أكثر كانت الخيانة أقبح وكان استحقاق الذم أشد ، وذكر في هذه الآية النعم التي في الأنفس ، لأنها كالأصل للنعم التي في الآفاق ، قالوا : فإنه لولا الحياة والسمع والبصر والأعضاء السليمة لما كان الانتفاع بشي من المخلوقات ممكناً - والله أعلم - ، وإنما قدم الأرض لأنها أقرب الأشياء إلينا من الأمور الخارجة .
والكِفَات : اسم للوعاء الذي يكفت فيه أي يجمع . قاله أبو عبيدٍ ، يقال : كفته يكفته أي جمعه وضمه .
وفي الحديث : «أكْفِتُوا صبيانكُم »{[59039]} ، قال الصمصامة بن الطرمَّاح : [ الوافر ]
5058- وأنْتَ غَداً اليَوْمَ فَوْقَ الأرْضِ حَيًّا *** وأنْتَ غَداً تَضُمَّكَ فِي كِفاتِ{[59040]}
وقيل : الكِفَات : اسم لما يكفت ك «الضِّمام والجماع » ، يقال : هذا الباب جماع الأبواب ، والمعنى : نجعل الأرض ضامَّة تضم الأحياء على ظهرها ، والأموات في بطنها ، والكفت : الضم والجمع ؛ وأنشد سيبويه : [ الوافر ]
5059- كِرَامٌ حِينَ تَنْكفِتُ الأفَاعِي*** إلَى أحْجارِهنَّ مِنَ الصَّقيعِ{[59041]}
وروي عن ربيعة في النباش ، قال : تقطع يده ، فقيل له : لم قلتَ ذلك ؟ فقال : إن الله - تعالى - يقول : { أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } فالأرض حِرز ، وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة ، لأنه مقبرة تضم الموتى ، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم ، والأموات في قبورهم ، وأيضاً استقرار النَّاس على وجه الأرض ، ثم اضطجاعهم عليها ، انضمام منهم إليها .
وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه : الأحياء والأموات ترجع إلى الأرض ، والأرض منقسمة إلى حيٍّ وهو الذي ينبت ، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت .
وفي انتصاب : «كَفَاتاً ، أحياء وأمواتاً » وجهان :
أحدهما : أنه مفعول ثانٍ ل «نجعل » ؛ لأنها للتصيير .
والثاني : أنه منصوب على الحال من «الأرض » ، والمفعول الثاني : «أحياءً وأمواتاً » بمعنى : ألم نصيِّرها أحياء بالنبات ، وأمواتاً بغير نبات ، أي : بعضها كذا ، وبعضها كذا .
وقيل : «كِفَاتاً » جمع كافت ك «صيام ، وقيام » جمع «صائم ، وقائم » .
وقيل : بل هو مصدر كالكتاب والحساب .
وقال الخليل : التكفيت : تقليب الشَّيء ظهراً لبطن وبطناً لظهر ، ويقال : انكفت القوم إلى منازلهم ، أي : انقلبوا ، فمعنى الكفات : أنهم يتصرفون على ظهرها ، وينقلبون إليها فيدفنون فيها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.