وقوله : أزِفَتِ الاَزِفَةُ يقول : دنت الدانية . وإنما يعني : دنت القيامة القريبة منكم أيها الناس يقال منه : أزف رَحيل فلان : إذا دنا وقَرُب ، كما قال نابغة بني ذُبيان :
أَزِفَ التّرَحّلُ غَيرَ أنّ رِكابَنا *** لَمّا تَزُلْ بِرِحالِنا وكأنْ قَدِ
بانَ الشّبابُ وأمْسَى الشّيبُ قَدْ أزِفا *** وَلا أرَى لشَبابٍ ذَاهِبٍ خَلَفَا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس أزِفَتِ الاَزِفَةِ من أسماء يوم القيامة ، عظّمه الله ، وحذّره عباده .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قالا : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : أزِفَتِ الاَزِفَةُ قال : اقتربت الساعة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أزِفَتِ الاَزِفَةُ قال : الساعة لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كاشِفَةٌ .
تتنزل هذه الجملة من التي قبلها منزلة البيان للإِنذار الذي تضمّنه قوله : { هذا نذير } [ النجم : 56 ] .
فالمعنى : هذا نذير بآزفة قربت ، وفي ذكر فعل القرب فائدة أخرى زائدة على البيان وهي أن هذا المنذَر به دَنا وقته ، فإنّ : أزف معناه : قَرب وحقيقته القرب المكان ، واستعير لقرب الزمان لكثرة ما يعاملون الزمان معاملة المكان .
والتنبيه على قرب المنذر به من كمال الإِنذار للبدار بتجنب الوقوع فيما ينذر به .
وجيء لفعل { أزفت } بفاعل من مادة الفعل للتهويل على السامع لتذهب النفس كل مذهب ممكن في تعيين هذه المحادثة التي أزفت ، ومعلوم أنها من الأمور المكروهة لورود ذكرها عقب ذكر الإِنذار .
وتأنيث { الأزفة } بتأويل الوقعة ، أو الحادثة كما يقال : نَزلت به نازلة ، أو وقعت الواقعة ، وغشيته غاشية ، والعرب يستعملون التأنيث دلالة على المبالغة في النوع ، ولعلهم راعوا أن الأنثى مصدر كثرة النوع .
والتعريف في { الأزفة } تعريف الجنس ، ومنه زيادة تهويل بتمييز هذا الجنس من بين الأجناس لأن في استحضاره زيادة تهويل لأنه حقيق بالتدبر في المخلَص منه نظير التعريف في { الحمد لله } [ الفاتحة : 2 ] ، وقولهم : أرسلها العِراك .
والكلام يحتمل آزفة في الدنيا من جنس ما أُهلك به عاد وثمود وقوم نوح فهي استئصالهم يوم بدر ، ويحتمل آزفة وهي القيامة . وعلى التقديرين فالقرب مراد به التحقق وعدم الانقلاب منها كقوله تعالى : { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] وقوله : { إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً } [ المعارج : 6 ، 7 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أزفت الأزفة} يعني اقتربت الساعة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"أزِفَتِ الآزِفَةُ "يقول: دنت الدانية. وإنما يعني: دنت القيامة القريبة منكم أيها الناس. يقال منه: أزف رَحيل فلان: إذا دنا وقَرُب.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
"أزِفَت الآزِفة" أي قرُبت القيامة؛ سمّى الله سبحانه وتعالى القيامة بأسماء مختلفة: مرة الآزفة، ومرة الساعة، ومرة القيامة؛ فسمّاها آزفة لقربها إلى الخلق ووقوعها عليهم، وكذلك الساعة...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وإنما سميت القيامة آزفة، وهي الدانية، لأن كل آت قريب، فالقيامة قد قربت بالإضافة إلى ما مضى من المدة من لدن خلق الله الدنيا.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{أزفت الآزفة} كل يوم يزداد قربها فهي كائنة قريبة وازدادت في القرب، ويحتمل أن يكون كقوله تعالى: {وقعت الواقعة} أي قرب وقوعها وأزفت فاعلها في الحقيقة القيامة أو الساعة، فكأنه قال: أزفت القيامة الآزفة أو الساعة أو مثلها.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أزفت الآزفة} أي دنت الساعة الدانية في نفسها التي وصفت لكم بالفعل بالقرب غير مرة لأنها محط الحكمة وإظهار العظمة، وما خلق الخلق إلا لأجلها، المشتملة على الضيق وسوء العيش من القيامة، وكل ما وعدتموه في الدنيا مما يكون به ظهور هذا الدين وقمع المفسدين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تتنزل هذه الجملة من التي قبلها منزلة البيان للإِنذار الذي تضمّنه قوله: {هذا نذير} [النجم: 56]. فالمعنى: هذا نذير بآزفة قربت، وفي ذكر فعل القرب فائدة أخرى زائدة على البيان وهي أن هذا المنذَر به دَنا وقته، فإنّ: أزف معناه: قَرب وحقيقته القرب المكاني، واستعير لقرب الزمان لكثرة ما يعاملون الزمان معاملة المكان. والتنبيه على قرب المنذر به من كمال الإِنذار للبدار بتجنب الوقوع فيما ينذر به. وجيء لفعل {أزفت} بفاعل من مادة الفعل للتهويل على السامع لتذهب النفس كل مذهب ممكن في تعيين هذه المحادثة التي أزفت، ومعلوم أنها من الأمور المكروهة لورود ذكرها عقب ذكر الإِنذار...
والتعريف في {الآزفة} تعريف الجنس، ومنه زيادة تهويل بتمييز هذا الجنس من بين الأجناس لأن في استحضاره زيادة تهويل...
،والكلام يحتمل آزفة في الدنيا من جنس ما أُهلك به عاد وثمود وقوم نوح فهي استئصالهم يوم بدر، ويحتمل آزفة وهي القيامة. وعلى التقديرين فالقرب مراد به التحقق وعدم الانقلاب منها كقوله تعالى: {اقتربت الساعة} [القمر: 1]
وقوله تعالى: {أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ} [النجم: 57] أي: اقتربتْ الساعة فكأنه صلى الله عليه وسلم جاء على فم الساعة، فبعد أنْ قال {هَـٰذَا نَذِيرٌ} [النجم: 56] أعقبها {أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ} [النجم: 57].
لذلك جاء في الحديث الشريف: "بُعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى " فبعثته صلى الله عليه وسلم تُعد من علامات الساعة.
وقد خاطبه ربه تعالى بقوله: { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } [النازعات: 43] أي: من ذكرى الساعة وعلاماتها. وما دام أزفت الآزفة واقتربتْ فانتبه، فهذه آخر الرسالات فتعلّق بها وتمسّك بهذا الرسول الخاتم والنذير الأخير الذي ليس بعده نذير، فانْجُ به.
ونفهم من معنى {أَزِفَتِ} [النجم: 57] اقتربتْ أنها هي التي تسعى إليك وتطلبك بخطوات حثيثة تسرع إليك. وبعد قليل في أول القمر سيقول: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [القمر: 1].
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.