( خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر . مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون : هذا يوم عسر . . )
وهو مشهد من مشاهد ذلك اليوم ، يناسب هوله وشدته ظلال السورة كلها ؛ ويتناسق مع الإرهاص باقتراب الساعة ، ومع الإنباء بانشقاق القمر ، ومع الإيقاع الموسيقي في السورة كذلك !
" وهو متقارب سريع . وهو مع سرعته شاخص متحرك ، مكتمل السمات والحركات : هذه جموع خارجة من الأجداث في لحظة واحدة كأنهم جراد منتشر [ ومشهد الجراد المعهود يساعد على تصور المنظر المعروض ]
وهذه الجموع خاشعة أبصارها من الذل والهول ، وهي تسرع في سيرها نحو الداعي ، الذي يدعوها لأمر غريب نكير شديد لا تعرفه ولا تطمئن إليه . . وفي أثناء هذا التجمع والخشوع والإسراع يقول الكافرون : ( هذا يوم عسر ) . . وهي قولة المكروب المجهود ، الذي يخرج ليواجه الأمر الصعيب الرعيب ! .
فهذا هو اليوم الذي اقترب ، وهم عنه معرضون ، وبه يكذبون . فتول عنهم يوم يجيء ، ودعهم لمصيرهم فيه وهو هذا المصير الرعيب المخيف !
يوم عَسِر : صعب شديد لعظم أهواله .
8- { مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } .
مسرعين مجيبين إلى الدعي ، وهو إسرافيل عليه السلام ، لا يخالفون ولا يتأخرون ، ويقولون : هذا يوم شديد الهول سيء المنقلب .
قال تعالى : { فذلك يومئذ يوم عسير*على الكافرين غير يسير } . ( المدثر : 9-10 ) .
أي : هو عبوس قمطرير ، شديد الهول على الكافرين ، وفي هذا إيماء إلى أنه هين على المؤمن لا عسر فيه ولا مشقة ، بل فيه نضرة وسرور ونعيم للمتقين .
{ مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع } مسرعين إليه قال أبو عبيدة : وزاد بعضهم مادّي أعناقهم ، وآخر مع هز ورهق ومدّ بصر .
وقال عكرمة : فاتحين آذانهم إلى الصوت ، وعن ابن عباس ناظرين إليه لا تقلع أبصارهم عنه وأنشد قول تبع
: تعبدني نمر بن سعد وقد أرى *** ونمر بن سعد لي «مطيع ومهطع »
وفي رواية أنه فسره بخاضعين وأنشد البيت ، وقيل : خافضين ما بين أعينهم ، وقال سفيان : شاخصة أبصارهم إلى السماء ، وقيل : أصل الهطع مد العنق ، أو مد البصر ، ثم يكنى به عن الإسراع ، أو عن النظر والتأمل فلا تغفل ، { يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ } صعب شديد لما يشاهدون من مخايل هو له وما يرتقبون من سوء منقلبهم فيه ، وفي إسناد القول المذكور إلى الكفار تلويح بأنه على المؤمنين ليس كذلك .
{ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ } أي : مسرعين لإجابة النداء الداعي{[927]} وهذا يدل على أن الداعي يدعوهم ويأمرهم بالحضور لموقف القيامة ، فيلبون دعوته ، ويسرعون إلى إجابته ، { يَقُولُ الْكَافِرُونَ } الذين قد حضر عذابهم : { هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } كما قال تعالى { على الكافرين غير يسير } [ مفهوم ذلك أنه يسير سهل على المؤمنين ]{[928]}
وقوله : { مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع } أى : مسرعين نحوه ، وقد مدوا أعناقهم إلى الإمام ، مأخوذ من الإهطاع ، وهو الإسراع فى المشى مع مد العنق إلى الإمام . يقال : أهطع فلان فى جريه ، إذا أسرع فيه من الخوف ، فهو مهطع .
{ يَقُولُ الكافرون } وقد رأوا من أهوال يوم القيامة ما يدهشهم : { هذا يَوْمٌ عَسِرٌ } أى : يقولون هذا يوم صعب شديد ، بسبب ما يعانون من أهواله ويتوقعون فيه من سوء العاقبة .
والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة ، يراها قد وصفت أحوال الكافرين فى هذا اليوم ، وصفا تقشعر من هوله الأبدان . . . فهم أذلاء ضعفاء ينظرون إلى ما يحيط بهم نظرة الخائف المفتضح ، وهم فى حالة خروجهم من قبورهم كأنهم الجراد المنتشر ، فى الكثرة والتموج والاضطراب ، وهم يسرعون نحو الداعى بذعر دون أن يلووا على شىء ، ودون أن يكون فى إمكانهم المخالفة أو التأخر عن دعوته .
ثم هم بعد ذلك يقولون على سبيل التحسر والتفجع : هذا يوم شديد الصعوبة والعسر .
قوله : { مهطعين إلى الداع } مهطعين منصوب على الحال{[4397]} بمعنى مسرعين . يقال : أهطع الرجل إذا مد عنقه وصوب رأسه . وأهطع في عدوه أسرع{[4398]} والمقصود : أنهم يخرجون يوم القيامة من قبورهم مسرعين ناظرين إلى الداعي الذي يناديهم ، وهم شاخصة أبصارهم إلى السماء .
قوله : { يقول الكافرون هذا يوم عسر } أي وصفوا يوم القيامة بالعسر ، لشدة ما فيه من الفظائع والأهوال{[4399]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{مهطعين إلى الداع} يعني مقبلين سراعا إذا خرجوا من القبور إلى صوت إسرافيل القائم على الصخرة التي ببيت المقدس، فيهون على المؤمنين الحشر، كأدنى صلاتهم، والكفار يكبون على وجوههم، فلا يقومون مقاما، ولا يخرجون مخرجا إلا عسر عليهم في كل موطن شدة ومشقة، فذلك قوله: {يقول الكافرون هذا يوم عسر}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله" مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ "يقول: مسرعين بنظرهم قِبَلَ داعيهم إلى ذلك الموقف...
عن تميم بن حَذْلم قوله: "مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ" قال: هو التحميج... عن سفيان "مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ" قال: هكذا أبصارهم شاخصة إلى السماء... عن قتادة، قوله "مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ": أي عامدين إلى الداعي...
وقوله "يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ" يقول تعالى ذكره: يقول الكافرون بالله يوم يدع الداعي إلى شيء نكُر: هذا يوم عسر. وإنما وصفوه بالعسر لشدة أهواله وبَلْباله.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{مّهْطِعِينَ إلَى الدَّاعِ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: معناه: مسرعين، قاله أبو عبيدة...
الثاني: معناه: مقبلين، قاله الضحاك.
الرابع: ناظرين، قاله ابن عباس.
الخامس: فاتحين آذانهم إلى الصوت، قاله عكرمة.
السادس: قابضين ما بين أعينهم، قاله تميم.
{يَقُولُ الكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} يعني يوم القيامة، لما ينالهم فيه من الشدة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} مسرعين مادّي أعناقهم إليه. وقيل: ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والمهطع: المسرع في مشيه نحو الشيء مع هز ورهق ومد بصر نحو المقصد، إما لخوف أو طمع أو نحوه، و {يقول الكافرون هذا يوم عسر} لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} أي صعبٌ شديدٌ، وفي إسنادِ القولِ المذكورِ إلى الكفارِ تلويحٌ بأنَّ المؤمنينَ ليسُوا في تلكَ المرتبةِ من الشدةِ.