المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ} (18)

15 - ارتدع - أيها المجرم - عما تتمناه من الافتداء ، إنّ النار لهب خالص ، شديدة النزع ليديك ورجليك وسائر أطرافك ، تنادى بالاسم مَن أعرض عن الحق ، وترك الطاعة ، وجمع المال فوضعه في خزائنه ، ولم يؤد حق الله فيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ} (18)

وبينما المجرم في هذه الحال ، يتمنى ذلك المحال ، يسمع ما ييئس ويقنط من كل بارقة من أمل ، أو كل حديث خادع من النفس . كما يسمع الملأ جميعا حقيقة الموقف وما يجري فيه :

كلا ! إنها لظى . نزاعة للشوى . تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى . .

إنه مشهد تطير له النفس شعاعا ، بعد ما أذهلها كرب الموقف وهوله . . ( كلا ! )في ردع عن تلك الأماني المستحيلة في الافتداء بالبنين والزوج والأخ والعشيرة ومن في الأرض جميعا . . ( كلا ! إنها لظى )نار تتلظى وتتحرق( نزاعة للشوى )تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا . . وهي غول مفزعة . ذات نفس حية تشارك في الهول والعذاب عن إرادة وقصد : تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى . . تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر ويتولى . ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يملك أن يدبر ويتولى ! ولقد كان من قبل مشغولا عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الأوعية ! فأما اليوم فالدعوة من جهنم لا يملك أن يلهو عنها . ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كله منها !

والتوكيد في هذه السورة والسورة السابقة قبلها وفي سورة القلم كذلك على منع الخير ، وعدم الحض على طعام المسكين ، وجمع المال في الأوعية إلى جانب الكفر والتكذيب والمعصية . . هذا التوكيد يدل على أن الدعوة كانت تواجه في مكة حالات خاصة يجتمع فيها البخل والحرص والجشع إلى الكفر والتكذيب والضلالة . مما اقتضى تكرار الإشارة إلى هذا الأمر ، والتخويف من عاقبته ، بوصفه من موجبات العذاب بعد الكفر والشرك بالله .

وفي هذه السورة إشارات أخرى تفيد هذا المعنى ، وتؤكد ملامح البيئة المكية التي كانت تواجهها الدعوة . فقد كانت بيئة مشغولة بجمع المال من التجارة ومن الربا . وكان كبراء قريش هم أصحاب هذه المتاجر ، وأصحاب القوافل في رحلتي الشتاء والصيف . وكان هنالك تكالب على الثراء ، وشح النفوس يجعل الفقراء محرومون ، واليتامى مضيعين . ومن ثم تكرر الأمر في هذا الشأن وتكرر التحذير . وظل القرآن يعالج هذا الجشع وهذا الحرص ؛ ويخوض هذه المعركة مع الجشع والحرص في أغوار النفس ودروبها قبل الفتح وبعده على السواء . مما هو ظاهر لمن يتتبع التحذير من الربا ، ومن أكل أموال الناس بالباطل ، ومن أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا ! ومن الجور على اليتيمات واحتجازهن للزواج الجائر رغبة في أموالهن ! ومن نهر السائل ، وقهر اليتيم ، ومن حرمان المساكين . . . إلى آخر هذه الحملات المتتابعة العنيفة الدالة على الكثير من ملامح البيئة . فضلا على أنها توجيهات دائمة لعلاج النفس الإنسانية في كل بيئة . وحب المال ، والحرص عليه ، وشح النفس به ، والرغبة في احتجانه ، آفة تساور النفوس مساورة عنيفة ، وتحتاج للانطلاق من إسارها والتخلص من أوهاقها ، والتحرر من ربقتها ، إلى معارك متلاحقة ، وإلى علاج طويل !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ} (18)

{ وَجَمَعَ فَأَوْعَى } أي : جمع المال بعضه على بعض فأوعاه ، أي : أوكاه ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة . وقد ورد في الحديث : " ولا تُوعي فَيُوعي الله عليك " {[29324]} وكان عبد الله بن عُكيم لا يربط له كيسا ويقول : سمعت الله يقول : { وَجَمَعَ فَأَوْعَى }

وقال الحسن البصري : يا ابن آدم ، سمعتَ وعيدَ الله ثم أوعيتَ الدنيا .

وقال قتادة في قوله : { وَجَمَعَ فَأَوْعَى } قال : كان جَمُوعًا قمُومًا للخَبيث .


[29324]:- (1) رواه البخاري في صحيحه برقم (1434) ومسلم في صحيحه برقم (1029) من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ} (18)

والجمع والإِيعاء في قوله : { وجمع فأوعى } مرتب ثانيهما على أولهما ، فيدل ترتب الثاني على الأول أن مفعول { جمع } المحذوف هو شيء مما يوعى ، أي يُجعل في وعاء .

والوعاء : الظرف ، أي جمع المال فكنزه ولم ينفع به المحَاويج ، ومنه جاء فعل { أوعى } إذا شحّ . وفي الحديث : " ولا تُوعي فيُوعَى عليك " .

وفي قوله : { جمَع } إشارة إلى الحرص ، وفي قوله : { فأوعى } إشارة إلى طول الأمل . وعن قتادة { جمع فأوعى } كان جَمُوعاً للخبيث ، وهذا تفسير حسن ، أي بأن يُقدَّر ل { جمع } مفعول يدل عليه السياق ، أي وزاد على إدباره وتوليه أنه جمع الخبائث . وعليه يكون { فأوعى } مستعاراً لملازمته مَا فيه من خصال الخبائث واستمراره عليها فكأنها مختزنَة لا يفرط فيها .