قوله جلّ ذكره : { إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْملائِكَةَ تَسْمِيةَ الأُنثَى وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبعُُِونَ إلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً } .
هذه التَّسْمِيةُ من عندهم ، وهم لا يتبعون فيها علماً أو تحقيقاً . . . بل ظَنًّا - والظنُّ لا يفيد شيئاً .
توبيخ المشركين لتسميتهم الملائكة بنات الله
{ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ( 27 ) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ( 28 ) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( 29 ) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ( 30 ) }
تسمية الأنثى : بأن يقولوا : إنها بنات الله ، تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا .
27- { إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى } .
إن هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالقيامة ، والبعث والحشر والجزاء ، يزعمون أن الملائكة إناث ، وأنهم بنات الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
والمراد أنهم يسمّون كل واحد من الملائكة أنثى ، لأنهم إذا جعلوا الكلّ بنات فقد جعلوا كل واحد بنتا ، كما جاء في قوله تعالى : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون } . ( الزخرف : 19 )
{ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة } : أي إن الذين لا يؤمنون بالبعث والحياة الآخرة .
{ ليسمون الملائكة تسمية الأنثى } : أي ليطلقون على الملائكة أسماء الإِناث إذ قالوا بنات الله .
لما ندد تعالى بالمشركين الذين جعلوا من الأصنام والأوهام والأماني آلهة وجادلوا دونها وجالدوا ذكر ما هو علة ذلك التخبط والضلال فقال : { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة } دار السعادة الحقة أو الشقاء { ليسمون الملائكة تسمية الأنثى } فلو آمنوا بالآخرة لما سموا الملائكة بنات الله لأن المؤمن بالآخرة يحاسب نفسه على كل قول وعمل له تبعة يخشى أن يؤخذ بها بخلاف الذي لا يؤمن بالآخرة فإنه يقول ويفعل ما يشاء لعدم شعوره بالمسئولية والتبعة التي قد يؤخذ بها فيهلك ويخشى كل شيء وهو تعليل سليم حكيم .
{ 27-30 } { إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى }
يعني أن المشركين بالله المكذبين لرسله ، الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وبسبب عدم إيمانهم بالآخرة تجرأوا على ما تجرأوا عليه ، من الأقوال ، والأفعال المحادة لله ولرسوله ، من قولهم : { الملائكة بنات الله } فلم ينزهوا ربهم عن الولادة ، ولم يكرموا الملائكة ويجلوهم عن تسميتهم إياهم إناثا ،
{ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى ( 27 ) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً ( 28 ) }
إن الذين لا يصدِّقون بالحياة الآخرة من كفار العرب ولا يعملون لها ليسمُّون الملائكة تسمية الإناث ؛ لاعتقادهم جهلا أن الملائكة إناث ، وأنهم بنات الله .
ثم عادت السورة إلى ذم الكافرين الذين وصفوا الملائكة بصفات لا تليق بهم . فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } وما فيها من حساب وجزاء وثواب وعقاب . . . { لَيُسَمُّونَ الملائكة تَسْمِيَةَ الأنثى } أى : ليصفون الملائكة بوصف الإناث فيقولون : الملائكة بنات الله كما قال - تعالى - : { وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } ولفظ : " الملائكة " هنا فى معنى استغراق كل فرد ، أى : ليسمون كل واحد منهم ويصفونه بصفة الأنوثة .
قوله تعالى : { إن الذين لا يؤمنون بالأخرة ليسمّون الملائكة تسمية الأنثى 27 وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا 28 فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا 29 ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى } .
ذلك إنكار من الله شديد على المشركين السفهاء ، إذ تلبسوا بجريمتين شنيعتين كبريين ، الأولى : تسميتهم الملائكة تسمية الأنثى . فهم بذلك يعتقدون أن الملائكة إناث وهم لم يشهدوا خلقهم فأنى لهم أن يفتروا مثل هذا الإفتراء .
والثانية : أنهم جعلوا الملائكة بنات الله . تعالى الله عن اتخاذ الولد علوا كبيرا . فقال سبحانه موبخا منكرا : { وما لهم به من علم } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن الذين لا يؤمنون بالآخرة} يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
{ليسمون الملائكة تسمية الأنثى} حين زعموا أن الملائكة إناث، وأنها تشفع لهم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن الذين لا يصدّقون بالبعث في الدار الآخرة، وذلك يوم القيامة، ليسمون ملائكة الله تسمية الإناث، وذلك أنهم كانوا يقولون: هم بنات الله.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
هذه التَّسْمِيةُ من عندهم، وهم لا يتبعون فيها علماً أو تحقيقاً... بل ظَنًّا -والظنُّ لا يفيد شيئاً.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
معناه: ليصفون الملائكة بأوصاف الأنوثة.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} وبما فيها من العقابِ على ما يتعاطَونه من الكفرِ والمعاصي {لَيُسَمُّونَ الملائكة} المنزهينَ عن سماتِ النقصانِ على الإطلاقِ أي يسمون كلَّ واحدٍ منهم {تَسْمِيَةَ الأنثى} فإن قولَهم الملائكةُ بناتُ الله قولُ منهُم بأنَّ كلاً منهم بنتُه سبحانَهُ، وهي التسميةُ بالأُنثى، وفي تعليقِها بعدمِ الإيمانِ بالآخرةِ إشعارٌ بأنَّها في الشناعةِ والفظاعةِ واستتباعِ العقوبةِ في الآخرةِ بحيثُ لا يجترئُ عليها إلا مَنْ لا يؤمنُ بَها رأساً...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمعنى: أنهم يزعمون الملائكة إناثاً وذلك توصيف قال تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} [الزخرف: 19]، وكانوا يقولون الملائكة بنات الله من سروات الجن قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26] والتعريف في {الأنثى} تعريف الجنس الذي هو في معنى المتعدد
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} فلا ينطلقون في كلامهم من قاعدة الإحساس بالمسؤولية عنه أمام الله...
{لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأنثَى} دون أساسٍ لذلك، لأنهم لا يملكون أيّة معرفة بحقيقة الملائكة كونهم من عالم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ومن عرّفهم منه بعض الأمور.